الناطحات الإيرانية

ما تم إعلانه عن مصادرة ناطحة سحاب إيرانية في قلب مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، على الجادة الخامسة، ومكونة من 36 طابقا، يشكل تطورا كبيرا في فهم آليات تمويل الإرهاب الإيراني في العالم. فما وصفته وزارة العدل الأمريكية بأنه ''أكبر عملية مصادرة على علاقة بالإرهاب في التاريخ'' ليس مبالغة أبدا. فالاختراق الإيراني للولايات المتحدة بلغ حد تجنيد المرتزقة لاستهداف الشخصيات الدبلوماسية الأجنبية على أراضيها، وما تعرض له السفير السعودي في واشنطن خير مثال على ذلك، ناهيك عن الاختراق المصرفي لعدد لا بأس به من المصارف وشركات التأمين الحائزه على رخص العمل في نيويورك وعلى رأسها ستاندارد تشارتارد، وإتش إس بي سي، وطوكيو ميتسوبيشي وغيرها الكثير. اختراق السوق العقارية الأمريكية ليس سوى حلقة من سلسلة اختراقات للوسط التجاري العالمي برع فيها ملالي طهران بغرض إيجاد مصادر لتمويل الإرهاب. ولا شك أن تفكيك هذه الشبكة سيأخذ وقت طويلا، وسيكشف عن أسرار كثيرة.
تاريخ البرج يعود لما قبل عام 1979، حين مول بنك ملي إيران، إحدى مؤسسات الشاه الخيرية لبناء البرج ذي 36 طابقا، وبعد الثورة الخمينية المشؤومة، تمت مصادرة البرج من قبل سلطة الملالي ومن ثم تحولت المؤسسة إلى اسم ''مصطزفان'' ثم مؤسسة علوي. وهذا البرج الذي يزيد عمره على 30 عاما ما زال يدفع أقساط سداد قرض تشييده لمصرف ملي الذي يأتي على رأس القائمة الدولية للمؤسسات والشركات الإيرانية المتهمة بالإرهاب، والذي يعتبر واجهة لحكومة ملالي طهران. وعلى الرغم من إقرار أحد رؤساء مؤسسة علوي بالتلاعب بالأدلة وعرقلة سير عمل التحقيقات، إلا أن القائمين على مؤسسة علوي الحاليين يصرون على أن المسألة ليست كما (تبدو)، وأنهم سيقدمون استئنافا ضد الحكم الصادر من القضاء بمصادرة المبنى. وخيرا فعلت الولايات المتحدة حين أعلنت أن عوائد بيع البرج المصادر ستذهب ''للتعويض عن ضحايا الإرهاب الممول من إيران''.
وإذا كانت حكومة طهران نجحت في اختراق الوسط المصرفي والعقاري الأمريكي، فلنا أن نتخيل الفساد الذي عاثته إيران في اقتصادات دول أوروبية وآسيوية وإفريقية، أقل قدرة على الرقابة وأقل التزاما بالأحكام الدولية التي تقف في وجه الإرهاب. شركات نفط وغاز، مكاتب سياحة، مصارف وشركات تأمين، فنادق، شركات ذهب وألماس، شركات طيران ''آخر ما تم إعلانه طيران بوكفينيا، والخطوط الجوية الأوكرانية ــــ المتوسطية، وشركة الخطوط القرغيزية''، شركات نقل وغيرها الكثير. كل هذا النشاط في تأسيس مفارخ لتمويل الإرهاب، بينما الشعب الإيراني لا يجد ما يسد به جوعه وما يسد رمقه.
إن الإعلان عن مصادرة ناطحة سحاب إيرانية في قلب نيويورك يأتي بمثابة ''أكبر عملية مصادرة على علاقة بالإرهاب في التاريخ'' كما أعلنت وزارة العدل الأمريكية، كما تشكل ضربة قوية في منظومة تمويل الإرهاب الإيراني، كما تأتي كتأكيد على جدية العمل على تجفيف مصادر ومنابع تمويل الإرهاب. لن تؤخر دولة الملالي في طهران جهدا في العمل على تفريخ ونشر الإرهاب والقتل والتدمير، فعقلية من يسيِّر شؤون الدولة الإيرانية من القذارة والعفونة ما يجعل أي احتمال مهما بدا شذوذه قائما. لا بد من محاصرة أنشطة هذه الدولة، كما لا بد لدول العالم أن تراجع النشاطات التجارية لكل من يحمل جنسيتها. وعلى جميع الدول المتضررة من الإرهاب الإيراني العمل وبأقصى طاقة للتمحيص والتدقيق في أي نشاط يشتبه في إمكانية استغلاله لتمويل النشاط الإيراني. أن أمن العالم لن يشهد أي استقرار طالما كان هؤلاء الملالي يسيرون بحرية ويمارسون نشاطهم التخريبي والإرهابي. لا بد للعالم أن يحذو حذو الولايات المتحدة في محاصرة معاتيه طهران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي