لا أحد في مصر يصغي لأحد

عاهدت نفسي على عدم الكتابة في الشأن المصري، بل طالبت بأن نتوقف -كسعوديين- عن تفسير وتحليل وتشجيع الاستقطاب الحاصل هناك، لكنني عندما رأيت القتلى يملأون المستشفيات، والجرحى يطرحون أرضاً لم تعد تستوعبهم أسرة المراكز الصحية. الدماء تغطي ملابس المواطنين. وآخرون يسْخرون منهم في القنوات ويبررون في محاولات بائسة ما يحدث في الشارع على أنه خلاف سياسي ومحاولة لاسترجاع الدولة.
يستمر المتظاهرون في الاعتصامات ويتحول الرأي العام المصري وقبله العالمي نحو التعاطف مع مطالب مناهضي الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر. مناظر المليونيات والدعاء والقنوت في رابعة العدوية والنهضة، تدفعنا لتوقع الأسوأ.
كل من توقع أن تنتهي الاعتصامات عفوياً بعد جمعة تفويض السيسي، أصبح يعلم يقيناً أن هذه الجموع لن تعود لبيوتها بسهولة. أثبتت أحداث الجمعة الماضية صحة هذه المعلومة. سواء كنا مع أنصار مرسي أو مع أنصار السيسي فهذا لا يغير من حقيقة واحدة لا لبس فيها وهي أن الشعب انقسم انقساماً شديداً بين فسطاطين أحدهما يتعرض للقتل علناً، والآخر لا يأبه بما يصيب صاحبه.
هذا الانقسام لن يمر مرور الكرام، ستبقى مصر تتذكر حالة الاستقطاب، وسيستمر الشعب في الوقوع ضحية هذه المغامرات لتظهر صور من العداء لم يكن أحد يتوقع أن يراها في مصر. يظهر مؤيدو نقل مصر إلى عالم من التفرقة والعنصرية، وتلوح حرب المعتقدات في الأفق. وهذا ما يشاهده كل من يرى البرامج والحوارات التي تحفل بها قنوات محددة سمح لها بأن تحاول تغيير مفاهيم الشعب.
إن الخطر القائم في مصر لم يعد خطر سيطرة حزب على الانتخابات أو فشل شخص أو منظومة عن تحقيق توقعات ومطالب الشعب، إن الخطر المحدق هو خطر الحرب الأهلية، وهو ما بدأ الكثير من الجهات الاستخبارية تظهره في تحليلاتها عن الوضع في مصر.
ما فائدة أن تصبح لدينا ليبيا أو سورية أخرى؟ وكيف يستطيع محب لمصر أن ينام قرير العين وهو يرى ما يحدث هناك من نشر العنف واستخدام القوة لتحقيق غرض سياسي أياً كان هذا الغرض؟ هل قدرنا كعالم عربي أن نكون فرجة للعالم؟ لا يمكن أن يقبل مواطن عربي هذا الوضع المؤلم الذي يتدهور كل يوم.
سيسيطر الآن الصلف والاعتداد بالرأي ومحاولة تبرير التصرفات على كل الأطراف. الشيء الذي لا يدركه من يديرون الأزمة في مصر هو أننا في عام 2013، حيث لا يمكن أن تنجح سياسات أو أفكار أو أعمال نجحت قبل عقود. لن يتراجع معتصمو رابعة العدوية عن اعتصامهم، بل إن المزيد من المخالفين سيتحولون إلى تأييدهم، بسبب ما يرونه كل يوم من القتل وسفك الدماء والتعامل بالقوة المفرطة مع مواطنين لهم الحقوق والواجبات نفسها التي لأمثالهم ممن وزعت عليهم الشرطة المياه والسندويتشات في ميدان التحرير.
اعتزل العلماء المشهد وحاولوا أن يتوسطوا سراً، لكن لا أحد يصغي لما يريدون أن يقولوه. ليس في الساحة سوى المؤزمين. هؤلاء يوغرون الصدور ويصرخون في الناس أن قاوموا وقفوا ضد مخالفيكم بقوة. فمن لهذه الدولة التي هي القلب النابض للعرب، ومن لهذا الشعب الذي يمر بأسوأ لحظات التاريخ الحديث إذ يقتل الأخ أخاه؟
أنقذت المبادرة الخليجية اليمن من حالة استقطاب مماثلة. وها هو اليوم يأتي ليقوم قادة دول المجلس وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين بابتكار وتفعيل مبادرة مماثلة. أعتقد أن الجميع اليوم سيكونون على استعداد لقبول وسيط قريب من التيارين المتصارعين على السلطة.
مبادرة تحقن الدماء وتوقف مرض الكراهية الذي يستشري، ويحاول كل واحد من خلاله أن يؤذي مخالفيه. مصر في حاجة اليوم إلى من يستعيد الوحدة الوطنية وينهي هذه الأزمة برشاقة دبلوماسية تستوعب الفريقين المتصارعين على السلطة في البلاد. هذه المبادرة ستكون في مصلحة الجميع وستنهي الجفاء الذي شاب العلاقة بين دول المجلس وبعض مكونات المشهد السياسي في مصر.
يمكن أن تشمل المبادرة إطلاق سراح المحتجزين من جماعة الإخوان والتعجيل بالانتخابات النيابية، وتعديل المواد الدستورية التي تحتاج إلى تعديل باتفاق جميع الأطراف، وإلغاء ارتباط الأحزاب بالدين، وغيرها من الالتزامات التي تضمن عدم العودة للاستقطاب والتقدم نحو تطوير مصر وحمايتها من الأخطار الخارجية.
هذه اللحظة التاريخية تنتظر تدخلاً لمحبي السلام والأمن لمصر وشعب مصر. ودول العالم كلها تتفرج على ما يحدث في مصر وكأنهم يبحثون عن سورية أو عراق أو ليبيا أخرى. حب الملك عبد الله للعرب والعروبة والإسلام، وحبه لمصر هو ما دفعني لكتابة هذه الرسالة، وهو لها بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي