تأثير الغاز الصخري في إنتاج البتروكيماويات: الإيثيلين

يعتبر غاز الإيثان العمود الفقرى للصناعات البتروكيماوية، ويمكن الحصول عليه إما بتكسير النافثا (كما هو الحال في أوروبا وشرق آسيا) أو بتكسير الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي (كما هو الحال في أمريكا الشمالية ومنطقة الخليج العربي). ووصل إنتاج العالم للإيثيلين في كانون الثاني (يناير) 2013 إلى 143.4 مليون طن بزيادة على 2012 بنحو 2.5 مليون طن. جاءت هذه الزيادة من الصين (800 ألف طن) وأمريكا (527 ألف طن) والإمارات (1,4 مليون طن) بينما أقفلت اليابان (ميتسوبيشى كميكال وسوميتومو كميكال) بعض مصانعها لعدم قدرتها على المنافسة.
ويمكن القول إن معظم إنتاج أوروبا وشرق آسيا من الإيثيلين هو من تكسير النافثا، وهذا يقدر بنحو 65 في المائة من إجمالي الإيثيلين العالمي. اما إنتاج أمريكا الشمالية ومنطقة الخليج العربي فهو من تكسير الإيثان وخليط الإيثان وسوائل الغازات مثل البروبان، ويقدر بنحو 35 في المائة من الإنتاج العالمي للإيثيلين.
تشهد أمريكا ثورة حقيقية في عالم الطاقة تغير فيها كثير من المفاهيم والاستراتيجيات، فبعد أن أصاب صناعة البتروكيماويات الأمريكية الوهن مع بزوغ نجم منطقة الخليج العربي والصين، لم يكن أحد ليتوقع أن تتعافى البتروكيماويات الأمريكية، وبدأ كثير من الشركات الأمريكية تهاجر من أمريكا بحثاً عن اللقيم والأسواق. أدت هذه الثورة في إنتاج الغاز الصخري إلى ارتفاع الإنتاج الأمريكي من الغاز الطبيعي وسوائل الغازات في السنوات الأخيرة.
أما بخصوص سوائل الغاز الطبيعي فبحسب وكالة معلومات الطاقة فإن إنتاج أمريكا ارتفع منذ عام 2009 من نحو 1.75 مليون برميل يومياً إلى حدود 2.5 مليون برميل يومياً بحلول 2013، أي بحدود 40 في المائة. فبعد أن استوردت أمريكا 180 مليون برميل يومياً من البروبان عام 2009 صدرت في عام 2012 نحو 50 مليون برميل، وبهذا أصبحت أمريكا من الدول المصدرة لغاز البروبان. ويعد قطاع البتروكيماويات المستفيد الأكبر من هذه الوفرة من سوائل الغاز.
وهذا يدل على أن ثورة الغاز الصخري في أمريكا أدت ليس فقط إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، بل أيضاً إلى زيادة إنتاج سوائل الغاز الطبيعى NGL. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج أمريكا من هذه السوائل من 2.5 مليون برميل يومياً حالياً إلى 3.1 مليون يومياً بحلول 2016. وستكون هذه الزيادة بمثابة إعادة الروح لصناعة البتروكيماويات الأمريكية. ونتيجة للوفرة في غاز الإيثان عماد صناعة البتروكيماويات انتعشت الشركات والصناعات البتروكيماوية في أمريكا، ويكفي أن نعلم أن شركة ليونديل باسل تحولت من شركة مفلسة إلى شركة ناجحة وحققت أرباحا كبيرة في عام 2012. ولو نظرنا إلى شركة داو كميكال أكبر منتج للبتروكيماويات في أمريكا لوجدنا أنها استغلت وفرة الإيثان على أكمل وجه، فقد أعلنت عن توسعات هائلة في إنتاج الإيثيلين منها توسعات في مجمع هانزفيل بنحو 400 ألف طن في عام 2012 وتوسعات أخرى في فري بورت بنحو 500 ألف طن في عام 2015. كما أنها بصدد تشييد مكسر حراري جديد للإيثان وستكون طاقته نحو 1.5 مليون طن وسينتهي تشييده في عام 2017. إذاً ''داو كميكال'' وحدها أضافت وستضيف نحو 2.4 مليون طن بمراحل متتالية. الجدير بالذكر أن طاقة ''داو كميكال'' الحالية هي نحو 13.1 مليون وستقفز إلى 15.1 مليون طن في عام 2017، لتكون بذلك أكبر منتج للإيثيلين في العالم إن لم يرفع المنافسون إنتاجهم.
وأدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة أسعار النافثا المنافس الرئيس لإنتاج الإيثيلين، ما أضر بربحية البتروكيماويات المنتجة من النافثا. وهنا أتى الغاز الصخري ليضيء أمريكا بغاز الإيثان وبكميات أكثر مما تستطيع أن تتحمله المصانع الأمريكية فتحول كثير من مصانع التكسير من النافثا إلى الإيثان وقامت الشركات البتروكيماوية الكبرى بزيادة طاقتها لتكسير الإيثان.
وتعد أمريكا أكبر منتج للإيثيلين (أهم مادة بتروكيماوية أساسية) في العالم فهي تستحوذ على نحو 20 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية للإيثيلين في العالم التي ارتفعت من 27.6 مليون طن في عام 2012 إلى 28.1 مليون طن في عام 2013، أي أن الطاقة الإنتاجية ارتفعت بنحو نصف مليون طن، وهذه الزيادة جاءت بسبب الوفرة في الإيثيلين المنتج من الغاز الصخري، حيث يشكل الإيثان 16 في المائة من الغاز الصخري. وكانت هذه الزيادة من نصيب التوسعات التي قامت بها كل من ''داو كميكال'' و''باسف توتال'' و''ويستليك'' في عام 2012، وستقوم شركتان أخريان بالتوسع بنحو 420 ألف طن إيثيلين في عام 2013.
باختصار ستضيف أمريكا في الفترة 2012 - 2018 نحو عشرة ملايين طن من الإيثيلين. منها مليونا طن توسعات لمصانع قائمة وثمانية ملايين طن إيثيلين سيتم إنتاجها من مصانع جديدة تم الإعلان عنها وهي لـ ''داو كميكال'' و''إكسون'' و''شيفرون فيليبس'' و''ساسول'' و''شل'' و''فرموزا'' و''أوكسيدنتال كميكال''. لكن لن تمر هذه الطفرة الأمريكية في إنتاج الإيثيلين مرور الكرام. ستتأثر الدول المنتجة للإيثيلين من لقيم النافثا لأن تكلفة إنتاج الإيثيلين من النافثا أعلى بأربع مرات من تكلفته من الإيثان، حيث تصل تكلفة الإيثيلين من لقيم الإيثان إلى نحو 270 دولارا كأقصى تقدير بينما تكلفتها من لقيم النافثا قد تصل إلى 1100 دولار. لذلك شهدنا إغلاق اليابان بعض مصانعها (خسرت متسوبيشي كميكال في ربع واحد من عام 2012، 70 مليون دولار، وخسرت ميتسوي 30 مليون دولار للفترة نفسها)، وسنشهد الكثير من الإغلاقات في كل من شرق آسيا وأوروبا. لن يستطيع الإيثيلين المشتق من النافثا منافسة الإيثيلين المشتق من الإيثان لأن أسعار الإيثان الأمريكي انخفضت بشكل كبير (يباع حالياً بنحو أربعة إلى ستة دولارات للمليون وحدة حرارية)، وأسعار الإيثان الخليجي أقل من مثيلاتها في أمريكا بنحو أربع مرات رغم الطفرة، فمثلاً يباع في المملكة بـ 0.75 دولار للمليون وحدة حرارية. في الماضي كانت تكاليف الإنتاج في أمريكا وأوروبا متقاربة، ففي عام 2005، كان سعر الإيثان الأمريكي نحو عشرة دولارات للمليون وحدة حرارية، لذلك كانت تكلفة إنتاج الإيثيلين الأمريكي من الإيثان والأوروبي من النافثا متكافئة. أما الآن فالكفة ترجح لمصلحة الإيثان الأمريكي والخليجي على حساب الإيثيلين المنتج من النافثا بميزة تنافسية تتعدى 800 دولار للطن. لم يتأثر الإيثان الخليجي بما يحدث في أمريكا، فعلى سبيل المثال شهدت شركة قابكو القطرية زيادة طفيفة في أرباح الربع الأول من 2013 مقارنة بعام 2012، وكذلك ''سابك'' و''ينساب'' لم تشهدا تغيراً يذكر في أرباح النصف الأول بين العامين. ولا يمكن أن يبقى الإيثان الأمريكي بالأسعار الحالية بسبب تصدير الغاز الطبيعي المسال، ما سيرفع أسعار كل الغازات في أمريكا. والسبب الأهم هو أن الأمريكيين سيستغلون كل الإيثان المنتج، ما سيجعل الطلب أكثر من العرض، وبالتالي سترتفع الأسعار. انخفضت الأسعار حالياً لأن الإيثان المنتج لا يجد من يشتريه بسبب عدم وجود مصانع تكسير جاهزة لتكسيره وكل ما أعلن عنه سيأخذ نحو أربع سنوات للانتهاء من تشييده. لذلك فإنه في كثير من الأحيان يخلط مع الغاز الطبيعي ويحرق كوقود (يحرق حالياً نحو 100- 200 ألف برميل إيثان يومياً). وهذا يعني أن كل هذه الزيادة في إنتاج الإيثان في أمريكا أتت بمحض المصادفة وبسرعة ومن دون تخطيط، لذلك ارتفع الإنتاج على غفلة من الشركات البتروكيماوية وبعد أن انتبهوا أعلنوا عن الاستثمارات الجديدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي