لا للطائفية ولا للغفلة

يستفزني، الذين يجلسون على أرائكهم في فللهم الفخمة على الشاطئ، ويحللون ما يحدث في العالم بمثاليات لا مكان لها في الواقع. لعل علوم الاجتماع بشكل عام لا تعتمد على الرياضيات التي مؤداها نتائج مضمونة. ذلك أن الإنسان هو المتغير الأكثر تأثيراً في التاريخ والسياسة. نعم والإنسان يسيطر عليه مجموعة مؤثرات تبدأ حتى قبل أن يرى النور، ولهذا فالزمان والمكان عنصران لا يمكن إغفالهما عند التنظير في علمي السياسة والاجتماع والتعامل مع أي قضية إنسانية.
صحيح أن الطائفية مقيتة، وصحيح أننا نأمل أن يتوحد المجتمع تحت مفاهيم مشتركة لا يشذُّ عنها أحد، لكن هذا ضرب من الخيال. يعلم المطلعون على الوضع في المملكة، أن الجهد القائم لتفريق المجتمع هو جهد دولي تدفع لتحقيقه دول بعينها المليارات، باعتماد فروق بسيطة واختلافات رأي بين مكونات الدولة، والبناء عليها.
عندما يكتب شخص ـــ في مكان ماـــ أنه لا بد أن يوقع رؤساء التحرير وثيقة شرف تمنع أن يتداول أحد في صحفهم أي مقالات تمت للطائفية أو تذكي نارها، فهو يفترض أن المجتمع بكليته يأخذ معلوماته من الصحف السعودية فقط، هذا بناء لا يستقيم، ويحتاج لإعادة نظر. يمكنني أن أقسم المعلومات التي لها علاقة بالطائفية والتي تؤثر على أفراد مجتمعنا إلى قسمين مهمين:
الأول هو ما تتبناه الدول الخارجية التي تهدف إلى تدمير المملكة ككيان سياسي وديني ''إيران ومن هم في فلكها تحديداً''، وهؤلاء ينشرون الكراهية عبر البرامج والمقالات ومقاطع الفيديو وخطب الجمعات وعلى منابر الحسينيات، مستغلين أشخاصاً قد يفعلون ذلك بعلم أو بغير علم. منهم من يعتقد أن إيران تريد مصلحته أكثر من دولته، ومنهم من يقع ضحية الشحن الطائفي الذي تتبناه أكثر من 50 قناة فضائية تدور في فلك إيران وتعتبر نفسها في حرب مقدسة معنا.
الثاني هو القسم الذي يرى تلك المصائب تحدث لوطنه، ويريد أن يوضح للجمهور خطرها، ومن يتبناها، والمعتقدات التي بنيت عليها. هذا القسم لم يكن موجوداً أبداً في الصحافة المحلية قبل ظهور الثورة الخمينية، بل ولا يزال حقه في توضيح الصورة مهضوماً. فالصورة فيها من فساد المعتقد، والتحريض الممنهج، ما يرى فيه الكثير من رؤساء التحرير أمراً غير حقيقي، هذا القسم يريد أن يضع النقاط على الحروف لئلا نقول ''أكلنا يوم أكل الثور الأبيض''.
لا أشك أبداً في نوايا مواطني المملكة جميعاً، وأثق أنهم لو عرفوا ما تريد لهم إيران لوقفوا ضدها جميعاً، إن الغفلة عما يحدث حولنا هي أمر خطير، فالعاقل ''من اتعظ بغيره''. ولهذا أدعو كل واحد ممن يعتمد على المثاليات أن يراجع مواقف السنة في العراق قبل الاجتياح الأمريكي وبعده. كان السنة يتكلمون بمنطق الوطنية والوحدة وحب الخير للجميع. ورفضوا كل دعوات التنبيه من العلماء والسياسيين باعتبارها طائفية ''مقيتة''. فأين هم اليوم؟ كما أدعو كل مواطن شيعي في بلدي أن ينظر لحال العراق كذلك، هل يريد أن تكون المملكة بمثل تلك الحال؟
أيها السادة ما تدبره إيران هو الدمار للعرب كجنس بغض النظر عن المذاهب والطوائف. ولو سردت الأمثلة لملَّ القارئ، لكنني أدعوه للنظر لما يحدث في سورية ولبنان والبحرين واليمن، سواء كان سنياً أو شيعياً. لا أظن أن أحداً يتمنى أن تكون المملكة في حال مثل أي من الدول التي ذكرت، ولاحظوا أن الخراب جاءها بعد أن تمكنت إيران من التغلغل داخل النسيج الشيعي في الدولة. وحولت الخلاف السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي إلى خلاف ديني وتكفيري قاتل. كم أخاف اليوم على دولة الكويت التي بدأت تدخل في تلك الدوامة.
خلاصة القول أنه يمكن أن ننظر إلى الأمور بمثالية، ونقف موقفاً ليبرالياً يرى عالماً من مجموعة من المثقفين والعلماء الذين يمكن أن يتفاهموا مهما اختلفوا، وهذا بناءٌ غير منطقي في دول تتأثر بالثقافة والتراث والموروث الديني.
إضافة إلى أن المتحدثين بمثل هذه المثاليات لم يجلسوا مع من اكتووا بنار الطائفية والمذهبية التي تذكيها إيران في أكثر من مكان من المملكة، ولم يروا المظاهرات التي تسير وراء جثامين قتلة المواطنين السعوديين وتعتبرهم شهداء، بل لم يضطروا لركوب المدرعات في كل مرة يريدون أن يتحركوا من مكان إلى آخر في مدينة داخل المملكة.
أدعو الجميع إلى التثبت وسؤال كل المتضررين من اللهجة والسلوك والاعتداءات الطائفية قبل أن يتصدوا لقضية تجعلنا نقع في أخطاء الغفلة التي لن نحمد عقباها، ولنتعظ بغيرنا بدل أن يتعظ غيرنا بنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي