حضارة سادت ثم بادت

معظم دول القارة الآسيوية تقدّمت في التصنيف العالمي خطوة نحو الأمام فتحسّنت مراكزها وصارت أفضل مما كانت عليه في أعوام سابقة، بينما كرتنا السعودية لم تتقدَّم شبراً واحداً لأسباب عديدة سأعرج عليها واحداً تلو الآخر. مع الأسف أن هذه الأسباب أصبحت عائقاً كبيراً في تقدُّم كرة القدم السعودية، حيث مازلنا نتعامل مع خصومنا في آسيا بفوقية وتعالٍ على أن الفريق السعودي مازال بطلاً للقارة وهو الذي تأهل لكأس العالم أربع مرات، ولم ندرك أننا نعمل وغيرنا يعمل أفضل منا. لا أحد يشك أن كرة القدم في الوقت الحاضر تعتمد على المواهب والفكر الاحترافي للاعب مع إدارة واعية، إضافة إلى جهاز فني يستطيع أن يُوجد فريقاً بطلاً ومتجانساً لديه القدرة على تنفيذ تكتيك مدربه بإتقان. هذه المعطيات تفتقدها الكرة السعودية في الوقت الراهن، فلا يستطيع أحد الفنيين أن يمنحنا عشرة أسماء تطلق عليها مواهب حقيقية من عيّنة النجوم الكِبار، أمثال: ماجد عبد الله، صالح خليفة، سامي الجابر، فؤاد أنور، محمد الدعيع، محمد عبد الجواد، ومحمد الخليوي - رحمه الله - وبقية النجوم الذين لا يتسع هذا المقال لذكرهم.
إذاً متى نطرق أبواب العودة إلى ساحة الأمجاد ونخلع جلباب اليأس وندخل دائرة المنافسة من جديد ونعيد هيبتنا التي سُلبت منا لسنوات؟ الكرة السعودية تعيش حالة من فقدان الهوية وتحاول الرجوع تحت ضغط الإعلام ومطالبات الجماهير، ليس هناك سبيلٌ لعودة المجد السعودي إلا بالعمل الجاد على إيجاد أكاديميات ومدارس ومراكز تعلّم الصغار أبجديات كرة القدم من الناحيتين التكنيكية والتكتيكية ورفع مستوى الفكر الاحترافي لدى الأطفال الصغار من السنة الثامنة.
هناك أشخاصٌ من أبناء هذا الوطن لا يعيرون للمنتخبات الوطنية أيَّ اهتمام ولا قيمة ولا تعنيهم نتائج هذه المنتخبات بشيء، فالمهم لديهم هو النادي الذي ينتسب أحدهم إليه ويعمل داخل إدارته، ولو تعارضت مصلحة المنتخب مع مصالح ناديه تجده أكثر شخص يتهجم على المنتخبات ومستعد أن يحارب هذه المنتخبات بكل ضراوة ويفرح لخسارتها، هذه الظاهرة سوَّق لها إعلام الأندية وكرّسها في عقول الجماهير، فأصبحنا نفتقد حس الوطن وحب انتصاراته عند معظم أبناء الوسط الرياضي، وهذا - في اعتقادي - يعود إلى حدة التنافس وزيادة التعصب بين منسوبي الأندية والجماهير.
توجد فجوة بين الأجهزة الفنية والطبية بالمنتخبات والأجهزة الفنية والطبية في الأندية، فكل مدرب يفكر في مصلحته ومصلحة الفريق الذي يشرف عليه أكثر من تفكيره في مصلحة اللاعب وسلامته وهذا يتسبّب في إيجاد مساحة للتأويلات وتضارب المعلومات بين إعلام المنتخبات وإعلام الأندية، والضحية من وجود هذه الفجوة الكبيرة هو اللاعب الذي لا يعرف مَن يصدّق ومَن يكذّب فيدخل في حالة توهان بين إدارة المنتخب وإدارة النادي وما يُطرح عبر وسائل الإعلام فيفقد جزءاً من تركيزه في المباريات.
في عالم كرة القدم تأخذ الحوافز حيزاً كبيراً من تفكير اللاعبين ورفع معنوياتهم وحثّهم على تقديم كل ما لديهم من قيمة فنية داخل الملعب، ولهذه الحوافز تأثيرٌ نفسي كبيرٌ في زيادة التركيز لدى اللاعب وقدرته على استيعاب متطلبات المدرب وتعليماته وما يسهم في تحقيق النتائج الإيجابية، وهذا العامل بالذات قد يجده اللاعب في ناديه ولا يتحقق له في المنتخبات، وهذه نقطة تعد ضعفاً واضحاً يعانيه لاعب المنتخب، فعندما يسمع اللاعب أن زملاءه اللاعبين صُرفت لهم مكافآت مجزية في النادي سواء في فئة الناشئين أو الشباب أضعاف ما يتقاضاه في المنتخبات، لا شك سيكون لهذا الخبر مردودٌ سلبي على اللاعب وعطائه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي