«طوكيو ميتسوبيشي» وتنمية الإرهاب

لا يختلف سلوك المجرمين والمارقين والإرهابيين باختلاف دولهم وجنسياتهم، فهوية الشر تجمع كل من ارتضى لنفسه أن يلبس لباس الشياطين. وهذه الهوية لا تفرقها المسافات الجغرافية مهما اتسعت وتباعدت، حتى سلوك هؤلاء الأشرار يتطابق بطريقة يخيل إليك عند الإمعان فيها أنها لنفس الشخص، ولكن الحقيقة أنها لـ ''الشخصية'' البائسة والمبتذلة نفسها التي لا ترى ضيرا في جمع الأموال حتى لو كان على حساب دماء البشر وجماجمهم. ولا تزال التحقيقات التي تجريها سلطات المال في نيويورك مع عدد من المصارف الدولية المشتبه في تورطها في عمليات غسيل أموال لصالح النظام الإيراني قائمة على قدم وساق، فلم يمض سوى عدة أشهر على التسوية التي توصلت لها السلطات المالية في نيويورك مع المصرفين البريطانيين ''ستاندارد تشارترد'' و''إتش إس بي سي''، ''تجاوزت مبالغ التسوية والغرامات التي اضطرا لدفعها 1.7 مليار دولار''، حتى أعلن عن التوصل لاتفاقية تسوية مع مصرف طوكيو ميتسوبيشي مقدارها 250 مليون دولار لقاء تغطيته وتزويره وكذبه على السلطات المالية في نيويورك، بخصوص عمليات مالية نفذها مع دول إرهابية من بينها دولة الإرهاب في طهران.
فوفق التحقيقات قام مصرف طوكيو ميتسوبيشي بـ 28 ألف عملية مالية من خلال وحدته في نيويورك لدول إرهابية، وكيانات تابعة لها، من بينها دولة الإرهاب في إيران وكياناتها المسخ الموجودة في أنحاء مختلفة من العالم، وهذه العمليات المالية تمت بين الأعوام 2002 و2007 وبمبالغ تجاوزت الـ 100 مليار دولار. والفارق الوحيد بين طوكيو ميتسوبيشي والمصارف البريطانية ''ستاندارد تشارترد'' و''إتش إس بي سي''، أن الإدارة العليا في المصرف الياباني البائس قامت بتوجيه الموظفين ''كتابيا'' بأن يحذفوا المعلومات التي تثير شبه الجهات الرقابية تجاه الدول ''العدوة''. هكذا بكل بساطة، نفذ البنك 28 ألف عملية مالية، وبمبالغ تجاوزت الـ 100 مليار دولار ولصالح دول ''أعداء''، ضاربا بعرض الحائط الأمن والسلم الدوليين، ومتجاهلا الأعراف الأخلاقية، والإنسانية والمصرفية. هكذا هي الإدارات الفاسدة، لا ترى ضيرا من التربح من وراء القتلة والمجرمين، ذئاب بشرية في حلل أنيقة ومناصب عالية، يقودون سيارات فارهة، ويسكنون قصورا شاهقة، ويتقاضون رواتب ومكافآت تقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنويا. وهذه ليست أول تسوية للمصرف الياباني السيئ السمعة ''الذي يعد أكبر مقرض في اليابان'' في قضية مالية مشينة، ففي 2012 قام المصرف بتسوية قضية مع الخزانة الأمريكية بخصوص تحقيقات كسر العقوبات الدولية على عدد من الدول الإرهابية، ودفع 8.57 مليون دولار.
وعلى الرغم من أن البيان الذي أصدره المصرف الياباني أقر فيه انخراطه في هذه العمليات المشينة، إلا أنه لم يعترف أن سوء الإدارة العليا فيه وراء الحادث، بل ألقى باللوم على ضعف إجراءات العمل وضعف السياسات الداخلية للبنك، على الرغم من أن الأدلة تشير إلى عكس ذلك تماما. كما لم يقدم المصرف الوضيع أي اعتذار للدول التي تضررت من الإرهاب الذي تمارسه إيران وغيرها من الدول المجرمة، كما لم يعبر البيان عن أي اعتذار للموظفين الذين مورس عليهم إرهاب إدارة هذا المصرف، كل ما في البيان هو تأكيد على العمل جنبا إلى جنب مع جهات التحقيق للوصول إلى أعلى درجات ''الالتزام''، وكأن المسألة عبارة عن جهل بالقوانين والأنظمة والأعراف المصرفية. وفي رأيي الشخصي أن بيان طوكيو ميتسوبيشي مؤشر مهم على أن إدارة هذه الثكنة القذرة، عفوا قصدت إدارة هذا المصرف غير جادة على الإطلاق في عدم تكرار سوء ما قامت به. وخيرا فعلت سلطة المال في نيويورك حين أجبرت المصرف على تعيين مستشارين مستقلين في المصرف لتقييم وضع البنك، على أن يرفع هؤلاء المستشارين تقارير تقييم البنك بعد عام لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
الحقيقة أنه لم يكن للإرهاب والإجرام الذي يمارسه ملالي طهران أن يتوسع جغرافيا ليصل إلى أوروبا وجنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها لولا تواطؤ مالي من جهات النفوذ المصرفيه في العالم. هذا التواطؤ الذي سهل على إخوان الشياطين في طهران القيام بشراء الذمم وتجنيد القتلة وتمويل مصادر الأسلحة وإعطاء الغطاء الذي يسهل تدفق الأموال القذرة لجيوب المجرمين وسماسرة الموت. ولكن الحتمية التاريخية التي تفيد بسقوط المعاتيه والمجانين ولو طال زمن طغيانهم، تأتي لتؤكد أن عقارب الساعة تقترب لساعة الصفر، وحينها سيغرق اتباع الخميني ومن المهم في المستنقع الذي حفروه بأيديهم الملطخة بدماء الأبرياء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي