تخصيص التعليم العام

أذكر أنني قرأت نكتة بعد صدور نتائج المدارس تقول: ستشهد في الأيام القادمة انتشار ''السياكل'' في الشوارع. الميزة فيها أنك ستعرف أن الراكب في الأمام ناجح، وجائزته السيكل، وأما الراكب في الخلف فاعرف أنه ''جاب العيد''. أذكر أن هذا كان صحيحاً في زمان مضى، لكن الوضع اختلف كثيراً اليوم. الأغلبية ينجحون سواء حصلوا على المعرفة أم لم يفعلوا. يقول آخر: إن هناك من هم في بداية المرحلة المتوسطة ولا يجيدون القراءة أو الكتابة. حالة مؤلمة ولكنه الواقع.
يستدعي هذا العودة إلى عمليات التقويم التي تتم في المرحلة الابتدائية، خصوصا سواء للمعلمين أم للتلاميذ ووضع معايير وتطبيقها، لضمان تحقيق الأهداف التربوية، فليس من المعقول أن نقبل بوضع سيئ مثل هذا.
المؤسف أن الكثيرين لم يعودوا يهتمون بمجموعة مهارات كانت مطلوبة من طلبة المرحلة الابتدائية، مثل جداول الضرب وقواعد اللغة وأساسيات الممارسة الدينية المطلوبة. فلا تبحث عن المهارات الأكثر تعقيدا مثل مهارات الكتابة الأدبية والفنون وقواعد الكيمياء والفيزياء التي أصبحت من متطلبات طالب الماضي.
على أن إشكالية التعليم والمواد التعليمية يلازمها مشكلة عدم وجود تقويم جيد وتصنيف للمدارس الخاصة التي تستقطع باستمرار أعداداً أكبر من الطلبة. يزيد عدد مرتادي هذه المدارس لأسباب عديدة ومتناقضة في كثير من الأحيان، البعض يرتاد هذه المدارس، لأنها تقدم مستوى تعليميا أفضل من المدارس الحكومية، وتؤهل الطالب بمهارات غير موجودة أصلاً في مدارس الحكومة. وعلى النقيض يذهب آخرون لهذه المدارس، لأنها تمكنهم من الحصول على نتائج أفضل بمجهود أقل، بل بدون مجهود في حالات كثيرة.
بدأت المدارس الخاصة في الانتشار عندما أصبح للنتيجة النهائية في الثانوية العامة الأثر الأول على القبول في الجامعات، كوسائل للوصول بسهولة، ومع زيادة وعي أولياء الأمور لأهمية التحصيل العلمي بالتوازي مع المعدل التراكمي، بدأت تظهر مدارس أكثر رصانة وقوة وانضباطا وأفضل محتوى بالنسبة لمتطلبات الدراسة العليا.
يطالب كثيرون بالعمل على دعم المدارس الرصينة. وهو أمر مطلوب، بل إن الأفضل للمجتمع بشكل عام أن تغلق المدارس ذات المستوى المنخفض في الناحية التربوية والعلمية. ذلك أن المدارس التي تضمن نتائج، دون محتوى هي أحد أسباب انخفاض مستوى الأداء في المراحل العليا، بل وتوجد حالة من انعدام العدالة بين الطلبة. الأكيد أن المعلمين في بعض هذه المدارس يقومون بمساعدة الطلبة في حل مسائل الامتحان التحصيلي، وهو الذي يحظى بنسبة عالية عند القبول في الجامعات. فإذا أضفنا إلى ذلك حصول الطالب على علامات نهائية في التحصيل العلمي، سيتمكن الطالب من الحصول على مقعد كان من حق آخر.
على أن هناك من يطالب برفع يد الدولة عن تقديم خدمة التعليم بشكل كلي، وتركيز جهود الدولة على عملية إعداد المناهج والرقابة على المدارس وضمان مستوى تعليمي عال لجميع الفئات العمرية. يكلف الطالب الملتحق بمدارس التعليم العام وزارة التربية والتعليم أكثر من 26 ألف ريال سنوياً. يمكن أن تتوقف الوزارة عن التوسع في تقديم خدمات التعليم والدفع بالمدارس الخاصة ذات المستوى الأكاديمي الجيد للأمام. هذا يضمن أن تتوافر خدمات التعليم العام بشكل أسرع وأكثر جودة. تستطيع الوزارة أن تقدم الدعم للفئات المحتاجة من خلال برنامج دقيق يضمن توفير التعليم المتميز للجميع.
يظهر أثر تخصيص التعليم على وضع المعلمين السعوديين الذين سيكونون عماد المدارس الجديدة، وسيكون على المدارس توظيف السعوديين بنسبة تغطي كافة الاحتياجات، وباعتماد الهيكل الحالي للرواتب، أو باعتماد سلم رواتب لا يقل عن الحالي في حالة رغبة المدارس في صرف مكافآت أعلى من الموجود حاليا. يمكن أن يستمر الدعم الحكومي المقدم لرواتب المعلمين بحكم وجود وفر مالي من خطة الخصخصة، على أنني أتوقع أن تستطيع المدارس أن تقدم نفس مستويات الرواتب وأعلى ما دامت الوزارة تقوم بعمليات الرقابة ودعم الجودة والتميز في المدارس الخاصة.
شكا لي أحد الزملاء من صعوبات واجهها عندما انتقل إلى مدينة الرياض ''ولاحظوا أنها مدينة الرياض وليست قرية أو هجرة''. إذ رفضت المدارس الابتدائية الموجودة في الحي الذي يسكنه أن تقبل ابنه، بحجة عدم وجود مقاعد. لن أدخل في نقاش توزيع المدارس على الأحياء، ونسبة النمو السكاني، وأعداد الأراضي التي نشاهدها في كل حي، ويقال: إنها لمرافق حكومية، ثم تتحول إلى أراض خاصة وتبنى عليها الفلل و''الدوبلكسات'' والعمائر.
إن وجود مثل هذا العذر أمر طبيعي، فإقرار إنشاء مدرسة يمر بإجراءات مالية وإدارية طويلة، وقد يقدم تأسيس مدرسة على غيرها لأسباب كثيرة منها النمو السكاني السريع الذي تعيشه المدن. لكن التعليم حق لكل مواطن، التعليم الذي يحصل عليه الطالب دون أن يحتاج إلى الانتقال إلى أحياء أخرى. خصوصا في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. بل إن بعض المدارس لا تقبل طلبة من أحياء أخرى. فتزدهر مدارس خاصة ليس لمالكيها من الإمكانات أي نسبة مقارنة بما هو مطلوب في نظام تعليمي معقول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي