علماء المملكة الكبار

ليس من السهل الاعتراف بالخطأ، خصوصا إذا كان نتاج موقف تم الالتزام به لفترة طويلة، وتم استغلاله من قتلة وسفاحين ومجرمين لتقديم أنفسهم على أنهم الأخيار. وليس من السهل التراجع عن موقف تم الدفاع عنه ودعمه لسنوات طويلة، خصوصا إذا كان هناك من اختبأ وراءه لتمرير أجندة أعداء الأمة الأزليين وتسويق من لا ذمة ولا عهد ولا شرف ولا ضمير له. وليس يسيرا أبدا أن يقر المرء بصحة رأي من اختلف معهم لسنوات طويلة تحت تصورات واعتقادات كان يرى صوابها وتحت آمال كان يرى إمكانية تحقيقها، خصوصا إذا كان رأي من كان يختلف معهم واضحا منذ البداية ومبني على أسس بينة وأدلة دامغة واضحة كالشمس وليس على آمال وتصورات وتطلعات. ومن هنا لا بد من الإشادة بموقف الدكتور يوسف القرضاوي الذي أقر فيه بأنه كان ''أقل نضجاً من علماء المملكة الذين كانوا يدركون حقيقة هذا الحزب'' قاصد بذلك حزب نصر الله الباطني المنافق القاتل المؤتمر بأوامر ملالي الرذيلة في طهران. كما يأتي البيان الحصيف لسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بمثابة التأكيد على أن مواقف بلادنا منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - لا ترتكز إلا على ما فيه نصرة للحق وإغاثة للمظلوم أينما وجد وتحت أي ظرف كان.
فبيان سماحة المفتي الذي أشاد فيه برجوع القرضاوي إلى الرأي الصواب، تجاه حزب شكّل وما زال يشكل شوكة في خاصرة الأمة، والذي يذكر بمواقف كبار العلماء عبر التاريخ في رجوعهم إلى الحق متى ما استبانوا الموقف الرشَد، يأتي كتأكيد على أن كبار العلماء في بلادنا يفرحون برجوع المرء عن أخطائه ولو طال الزمن، كما يأتي كترحيب لكل من ينوي تغيير مواقفه تجاه هذا الحزب الماكر الذي لطخت يداه بدماء المسلمين، ترحيب صادق من أعماق القلب، قلب نقي يفرح بكل من يعود إلى جادة الصواب. والحقيقة أن نفاق حسن نصر الله ومن هم على شاكلته ممن يدورون في فلك ملالي طهران لم تنطلِ يوما من الأيام على حصافة ومعرفة وفطنة كبار علمائنا الكرام. إنه النفاق ''التقليدي'' والتاريخي، الذي عانت منه الأمة منذ بداية بزوغ فجر الإسلام، نفاق يبطن فيه العدو الكراهية والضغينة والتآمر، نفاق لا يجيد من لعن به سوى حبك الدسائس والمؤامرات وإشعال الفتن وتفرقة المسلمين. نفاق استحوذ على حسن نصر الله وحزبه وعبر عنه القرضاوي بقوله ''حزب الله وشيعته الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله''. وكعادة علمائنا الكبار في الدعوة وشحذ الهمم لما فيه رفعة الإسلام والمسلمين ولما فيه توحيد الصفوف لأبطال المؤامرات التي تهدف إلى شق وحدة صف الإسلام والمسلمين، جدد بيان سماحة المفتي دعوة الجميع ساسة وعلماء إلى أن يتخذوا من هذا الحزب الطائفي المقيت ومن يقف وراءه خطوات فعلية تردعه عن هذا العدوان، فقد انكشف بما لا يدع مجالاً للشك أنه حزب عميل (لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة).
إن الأيام تثبت دائما وبما لا يدع مجالا للشك أن علماءنا الكبار، يقولون الحق ويؤكدون عليه بمعزل عن المصالح السياسية كافة، وبتجرد تام من المؤثرات كافة، حتى ولو كانت الضغوط من ''الأكثرية'' تدفع لأن يتم التغاضي عما قد يعتبر مكسبا سياسيا، أو اقتصاديا. هكذا هم الكبار دائما، لا تنطلي عليهم لعبة المصالح الآنية، ولا الكلمات المعسولة، ولا تمرر عليهم الأجندات الخفية، ولا تأخذهم في قول الحق لومة لائم، هكذا هم علماء بلادنا الأخيار الأتقياء الكرام. وقد عبر بيان سماحة المفتي عن هذا الخط والنهج حين أكد على أن السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - كانت ولا تزال - ثبتها الله - مناصرة لقضايا المسلمين، وللقضايا العادلة في كل مكان، وهي في ذلك لا تستند إلى حسابات سياسية ضيقة، ولكنها تنطلق من العقيدة الإسلامية التي تأمر بالعدل وتنهى عن الجور والظلم، فنسأل الله تعالى أن يرفع عن إخواننا في سورية هذا الظلم والطغيان، وأن يولي عليهم خيارهم''.
إن عودة الدكتور يوسف القرضاوي عن مواقفه التي استغلت لتسويق حزب حسن نصر الله الماكر والعميل والمنسلخ من كل قيمة إنسانية وإسلامية سوية، مواقف كانت تخالف جميع البراهين والأدلة المشاهدة على أرض الواقع، أقول إن عودة الدكتور يوسف القرضاوي واعترافه بأنه كان أقل نضجاً من علماء المملكة الذين كانوا يدركون حقيقة هذا الحزب، نقطة إيجابية في تاريخه، وبادرة طيبة تذكر ''بمواقف كبار العلماء عبر التاريخ في رجوعهم إلى الحق متى ما استبانوا الموقف الرشَد''، كما أوضح بيان سماحة المفتي - حفظه الله. كما أن رجوع الدكتور القرضاوي إلى تباين الحق نقطة بداية مهمة في تصحيح كثير من المعتقدات والأفكار التي راجت والتي يتخفى خلفها ويحتمي بها حزب حسن نصر الله وغيره ممن يسبحون بحمد الخميني وملالي طهران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي