الإعلام الرياضي خارج السيطرة!
لقد كان التوجيه الإلهي للإنسان بأن يستغل قدراته العقلية في التفكير في خلق السموات والأرض، وكل ما يدور داخل هذا المحيط الكبير من متغيرات كونية يصعب فهمها، وهذه الرسالة السماوية تهدينا إلى أن الإنسان مطالب باكتشاف هذا العالم الخفي بكل ما تحتويه الأرض من ثروات طبيعية لتسهل عليه نمط العيش في هذا الكوكب الصغير، ولأن الإنسان جبل فطرياً على أن يسعى في تطوير فكره وذاته ومجتمعه من خلال التكيف مع البيئة التي يعيش فيها، فقد أصبح هذا المخلوق الصغير يتحكم في مخلوقات أكبر منه ويتصدى لكوارث أقوى منه، وذلك بفضل نعمة العقل التي منحت له دون غيره، وبما أننا نتحدث عن كرة قدم وهمومها فمن الطبيعي أن نتوقع نتائج المستقبل قبل مجيئها، وذلك باعتمادنا على الواقع الإيجابي أو السلبي الذي نعيشه حتى أصبحنا نتنبأ بكل ما يدور حولنا من مباريات وانتخابات وقرارات وفق رؤية استمدت منا الخبرات السابقة والتجارب الحالية، وهذه الملكة العظيمة تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يستطيع أن يقرأ ويستنتج الأشياء قبل حدوثها ويحلل بفكر رائع ومتميز فيكون من مجموعة العرافين بكرة القدم ودهاليزها ولديهم القدرة على عمل دراسات مستقبلية بمخرجاتها، على الرغم من أنهم يحسنون التوقع ويلفتون الانتباه بفكرهم الراقي وقراءتهم المتميزة إلا أنهم قلة، أما السواد الأعظم فهم من أصحاب الوصف والتقليد الذين لا يضيفون للمشاهد أي معلومة أو فائدة تذكر ولا يمتلكون المتعة والتشويق، وهؤلاء هم الأكثر ظهورا في الوسط الإعلامي الرياضي.
لقد تشبع المشاهد والمتابع من هفوات معظم ضيوف البرامج الرياضية وأصبح يبحث عن إعلام غير ممل، لكي يتجنب هذه الأسماء التي ليس لها علاقة بمجالنا الرياضي وحديث عهد فيه، فتجد أن معظم أحاديثهم مبنية على التعصب للفريق المنتمي إليه وبشكل غير منطقي وبعيداً عن الواقع في مجمل القضايا التي تخص ناديه المفضل، فتحولت البرامج الحوارية والتحليلية إلى برامج فكاهية ساخرة تشوه حضارية الرياضة ورقيها، فبدلا من التوجيه نشاهد النقد اللاذع الذي يصادر مجهود المسؤول في الاتحاد أو أحد رؤساء الأندية أو المدرب دون فهم للعمل داخل المؤسسات الرياضية مع جهل تام باللوائح والأنظمة، فمن يعلق الجرس ويغير سياسات الأعلام المعتمد على الإثارة والنقد الجارح والشخصنة غير المبررة.
نحن أمام منافسات شرسة بين إعلام حكومي وإعلام تجاري إعلام موجه وإعلام خارج نطاق السيطرة، من يحاسب العابثين ويغرم المتجاوزين على حقوق الآخرين؟ أين المحاكم المختصة بالإعلام والإعلاميين؟ كيف يسترد المجني عليه حقه من الجاني مهما كانت شخصيته أو صفته الاعتبارية أو منصبه الرياضي؟ نحن أمام قضية رأي عام تحتاج إلى سقف من الحرية يمنع تلك التجاوزات التي خرجت عن نطاق العرف والدين.
أيام قليلة وينتهي الموسم الرياضي فتبدأ وسائل الأعلام بتشخيص الموسم السابق وإظهار سلبياته والإحصائيات التي رصدتها المواقع طول الموسم الرياضي، ثم تتحول موجة المتابعة إلى الموسم الجديد بمعسكراته وتوقيعاته واللاعبين المحليين وإبرام صفقات الأجانب والتعاقدات مع الأطقم الفنية الجيدة، فتبدأ مرحلة الصرف وضخ الأموال من جديد لتحسين صورة الفريق بالموسم الذي يليه بتمويل من الشركات الراعية وإسهامات أعضاء الشرف أو بيع عقد أحد اللاعبين وسط تفاؤل كبير من قبل محبي النادي والمنتمين إليه.