صناعة التقنية واقتصاد المعرفة

ان التطور السريع والمذهل في تقنية المعلومات و انتشار خدماتها ومنتجاتها و قوة تأثيرها في حياة البشر و زيادة اعتماديتهم عليها، جعلها تشكل العمود الفقري لنمو الاقتصاد العالمي. كما ان تراكم الخبرات على مدى العقود الماضية، أدى الى تحول التقنية - وما توفره من معرفة - من مجرد وسيط للاقتصاد والاعمال الى مدخل اساسي للعملية الإنتاجية، لذلك أطلق على الصناعة اسم "صناعة التقنية" وعلى الاقتصاد المتعلق بها "اقتصاد المعرفة".

ان ما يميز صناعة التقنية هو سهولة وصولها إلى الأسواق العالمية وعدم حاجتها الى استثمارات ضخمه لأنها تعتمد على المعرفة، لذلك يعتبر العنصر البشري (المؤهل) هو رأس المال الحقيقي لها. ويمكن أن تصبح هذه الصناعة ذات مردود اقتصادي هائل إذا تم إدارتها والتعامل معها باحترافية، سواء من حيث توفير فرص العمل، أو العوائد الاستثمارية المجزية.‏ لذا تنبهت دول العالم لأهمية صناعة التقنية لعمليات التنمية بجميع جوانبها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. وتنافست هذه الدول بما تملكه من موارد للتحول الى اقتصاد المعرفة عبر بوابة صناعة التقنية مما أدى الى نمو اقتصاد المعرفة سبع مرات أسرع من بقية قطاعات الاقتصاد الأخرى حسب الدراسات العالمية.

وكدليل على أهمية هذا النشاط الاقتصادي، فقد اعتمدت المفوضية الأوروبية هذا العام استراتيجية جديدة في مجال اقتصاد المعرفة تتعلق بإنشاء بيئة تنظيمية جديدة ومستقرة لشبكات نقل المعلومات، وإنشاء بنية تحتية جديدة للخدمات العامة للتقنية من خلال ربط دول أوروبا ببعضها، و إطلاق تحالف واسع على المستوى الأوروبي بشأن صناعة التقنية وتوفير فرص العمل لزيادة مساهمة اقتصاد المعرفة في الاقتصاد الأوروبي. وبحسب المصادر الرسمية الأوروبية فإن التنفيذ الكامل لهذه الاستراتيجية سيضمن زيادة في الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي 5 % ، على مدى السنوات الثماني المقبلة.

ومن ناحية اخرى فقد تربعت امريكا وفنلندا وسنغافورة والسويد وبريطانيا - تباعا- على صناعة التقنية وذلك حسب المؤشر الدولي المعني بترتيب دول العالم فيما يتعلق بدرجة التنافسية في صناعة التقنية. وحيث انه لا توجد دولة تحتكر هذه الصناعة، فقد قفزت ماليزيا عن التقييم السابق إحدى عشر مركزاَ لتحتل المركز الواحد و الثلاثين وذلك لنشاطاتها الهائلة في مجال الأبحاث والتطوير وتشريع القوانين. كما قفزت الهند عشرة مراكز لتحتل المركز الرابع والثلاثين نظراَ لنشاطاتها البحثية ووفرة علمائها التقنيين ومساهمتهم الفعالة في هذه الصناعة. وجاءت السعودية في المركز الثامن والأربعين دوليًا بالرغم من التشجيع الحكومي ووجود خطط لتحفيز بيئة نمو خصبة وواعدة لصناعة التقنية.

ان الحديث عن مؤشرات التنافسية العالمية حديث محبط بالنسبة لأغلب الدول العربية لان معظمها تحتل ذيل قوائم هذه المؤشرات بسبب انها – حسب رأي الخبراء - لم تستحضر عناصر التنافسية من دراسة وتحليل ومقارنات ولم تراجع اجراءات وأساليب العمل الداخلية كي تضمن انسياقها واتساقها مع هدف التنافس الدولي.

في المملكة العربية السعودية مثلا، اشتملت الخطة التنموية التاسعة المعمول بها حاليا على التوجه لاقتصاد المعرفة وكذلك صدرت هذا العام خطة وطنيه ثانيه لتقنية المعلومات تضمنت ايضا دعما لهذا التوجه، وذلك بالتوافق مع التوجيهات الحكومية بالحث على سرعة انجاز المشاريع وفق برنامجها الزمني المحدد بما في ذلك المشاريع التقنية والمعرفية والدعم بسخاء لتحقيق هذا الهدف، لذلك فان الانظار الان تتجه الى كيفية تجاوز التحديات في انجاز تطبيق هذه الخطط وايجاد بيئة صحية تملك مقومات النهوض بهذه المعرفة وتحديد مساراتها وبالتالي دفع عجلة النمو الاقتصادي والاتجاه إلى المنافسة الدولية في اقتصاد المعرفة.

ان صناعة التقنية في المملكة تأمل بتحسين تطبيق الإطار التنظيمي والتشريعي الذي يؤدي لرفع مستوى منتجاتها من حيث النوعية والجودة ليسمح لها بالتوسع في الاسواق العالمية وزيادة قدرتها التنافسية وجعلها رافدا أساسيا للاقتصاد الوطني. وفي اعتقادي ان ذلك يعتمد على بناء قدرات صناعة التقنية المحلية بإيجاد بيئة حاضنة للتدريب والتعليم الابداعي وترسيخ ثقافة الابداع واتساع الشراكة مع القوى العالمية والإقليمية التي تحرك اقتصاد المعرفة، وتوظيف موارد اقتصاد المعرفة بشكل مثالي ومن أهمها استيعاب أفواج الخريجين الأكفاء سواء في الداخل أو في برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي