الإرهاب.. خيار شمشون!

بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بنحو ثلاثة أعوام أصدر الدكتور سيد القمني كتاباً بعنوان (شكراً ابن لادن) أبدى فيه نوعاً من الغبطة والامتنان لما فعلته القاعدة، على أساس أنه أحدث خَضّة كبرى أيقظت العرب والمسلمين إلى خطر الجماعات الإسلامية وطبول الصحوة التي كانت تدق عالياً، أما أستاذ الفلسفة رئيس مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية الدكتور يوسف زيدان صاحب رواية (عزازيل) التي أحدثت ضجة وترجمت إلى 21 لغة، فقد صدرت له قبل نحو عام رواية (مُحال) بطلها أسامة بن لادن .. وقد ذهب فيها إلى أنه من المحال أن هذا الإنسان البسيط بملامح الطيبة والهدوء والوداعة أو بمظهر الشاعر (كما قال في مقابلة مع فضائية الـ BBC)، يمكن أن يخطط لتنفيذ مثل هذا العمل الرهيب وهو مقيم في كهف بين أفغانستان وباكستان لا تجاوره سوى بندقيته الخاصة. وأنه ضحية مؤامرة سوقتها البروباجاندا الغربية!
لم يكن سيد القمني وحده في خفة الاغتباط، بل كان يشاركه فيها جمهور من العامة ومن النخب المثقفة أيضاً وإن اختلفت المبررات.. كما لم يكن يوسف زيدان وحده في نظرته الشفوقة لأسامة بن لادن.. فقد بقيت لابن لادن في نفوس البعض هالة خاصة، وظل رائجاً إلى يومنا هذا الإصرار على فكرة المؤامرة التي زج أستاذ الفلسفة زيدان نفسه فيها.
معظمنا يتذكر مدى الذهول والحيرة والنفي والإنكار التي أحاقت بأسر أولئك الذين اشتركوا في تنفيذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2011 في أن يكون أبناؤهم فعلوا ذلك، إما لوداعتهم وهدوئهم وإما لميلهم للهو والترفيه، بمَن فيهم مهندس العملية الباكستاني (ابن الشيخ) الذي لم تألُ أمه جهدا في التأكيد على مناقبه الأخلاقية.
واليوم ونحن إزاء التفجير الإرهابي في مدينة بوسطن الأمريكية، والمتهم فيها الشابان الشيشانيان جوهر وتيمور سرناييف، يهرع والدهما المفجوع إلى النفي والإنكار والقول إن ولديه ورطتهما المخابرات الأمريكية وإنهما لم يعرفا الأسلحة وشاهداها فقط على التلفزيون، فيما يقول مَن عرفوهما إنهما كانا هادئين لطيفين.
أما حين صعقت أمريكا تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 فقد استجمعت ذهولها فقط بسؤال (لماذا يكرهوننا؟!)، وحال الجرح الرومانسي ـــ على حد تعبير جورج طرابيشي ـــ دون أن ترى سوى نفسها.. فقد حبسها جرحها أمام مرآة ذاتها تستعرض نزف هيبتها.. تحكمت فيها أنثروبولوجيا المسدس ورعاة البقر.. خرج "ريت بتلر" من رواية مارجريت ميتشل "ذهب مع الريح" صارخا "لا شيء يهم" بمعنى "سوى الدولار = أمريكا!"، ولذلك طحنت أمريكا عالما مثخنا أصلا بالبؤس والتخلف بحرب الإرهاب لأكثر من عشر سنوات بتكلفة بلغت 2.2 تريليون دولار، ومدت حدود مصالحها السيادية إلى مخادعه، ليأتي بعدها هذان الشابان بغتة ويفعلا هذه الفعلة الشنيعة.. لتنكأ الجرح الرومانسي لينزف من جديد وليعيد الرئيس باراك أوباما السؤال السابق نفسه بكلمات أخرى: ما الذي دفعهما لفعل هذا العمل العنيف؟ وتسأل معه أمريكا كل الأسئلة إلا أنّ سؤال الأسئلة: ماذا فعلت هي لبؤس هذا العالم؟ أو حتى تحويل السؤال من "لماذا يكرهوننا؟" إلى الصيغة التي طرحها الكاتب السوداني الراحل الطيب صالح "من أين جاء هؤلاء؟!".
إنّ الالتباس في الموقف من الإرهاب وكل الأسئلة حوله لن تجد الإجابة عنها بالتورط في مواجهة نصوص الأسئلة والدوران حولها، وإنما في حقيقة كامنة في مكان آخر هو قاع الوجدان الكلي لسكان هذا العالم والشعور بأن هذا الإرهاب ما هو إلا فائض الاستبداد والتخلف.. فالاستبداد يورث المهانة والإذلال للأفراد والشعوب.. يستجمع في النفوس جمر القهر وحمض النقْمة.. أما التخلف فيورث الفقر والمرض والجهل التي تدفع الأفراد والشعوب في عمى وصمم ودون تمييز لتوجيه خنجر الغدر وصب جام اللعنة على أي أحد وكل شيء.
إنه الإحساس القانط من الحياة من فرط الإقصاء يبهظ بالوضاعة والانحطاط فتتعطل معه سبل الخلاص من هذا الإحساس الفظيع إلا بالقصاص بخيار شمشون: عليَّ وعلى أعدائي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي