إغراء حساب رأس المال في الصين

على الرغم من التقلبات، فإن النمو الاقتصادي في الصين بوجه العموم كان مستقراً على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، ولم يكن هذا راجعاً إلى العوامل الاقتصادية الأساسية القوية فحسب، بل أيضاً إلى نجاح الحكومة في إدارة تدفقات رأس المال عبر الحدود.
لقد مكنت ضوابط رأس المال الصين من الخروج من الأزمة المالية الآسيوية في الفترة 1997-1998 سالمة إلى حد كبير، على الرغم من أن نظامها المالي كان على الأقل هشاً كغيره في الدول المتضررة. وقد أقنعت الأزمة المالية الآسيوية زعماء الصين بإرجاء الخطط التي أطلقت في عام 1994 لتحرير حساب رأس المال.
وفي عام 2002، استأنفت الصين جهود التحرير من جديد، فرفعت القيود المفروضة على قدرة الشركات الصينية على فتح حسابات مصرفية بالنقد الأجنبي، وسمحت للمقيمين بفتح حسابات بالعملات الأجنبية وبتحويل الرنمينبي (عملة الصين) بما يعادل 50 ألف دولار سنويا إلى عملات أجنبية. كما قدمت السلطات برنامج "المستثمرين المؤسسيين المحليين المؤهلين" لتمكين المقيمين من الاستثمار في الأصول الأجنبية ــ وهي واحدة من العديد من المبادرات التي تهدف إلى تخفيف الضغوط التي تدفع سعر صرف الرنمينبي إلى الارتفاع من خلال تشجيع تدفقات رأس المال إلى الخارج. وفي الوقت نفسه سمحت خطة "المستثمرين المؤسسيين الأجانب المؤهلين" للكيانات الأجنبية المرخصة بالاستثمار في أسواق رأس المال المحلية.
وفي أوائل عام 2012، أصدر بنك الشعب الصيني تقريراً يدعو صانعي السياسات إلى الاستفادة من "فرصة استراتيجية" للتعجيل بتحرير حساب رأس المال. وبعد ذلك بفترة وجيزة تم تخفيف القيود على حصص المستثمرين المؤسسيين الأجانب المؤهلين بشكل ملحوظ.
الواقع أن هذا التسارع كان جارياً منذ بدأت الحكومة تدويل الرنمينبي في عام 2009. وعلى الرغم من أن تدويل العملية لا يرقى إلى تحرير حساب رأس المال، فإن التقدم الذي تم إحرازه على الجبهة الأولى يعني بالضرورة إحراز تقدم على الجبهة الثانية. فمن خلال السماح للشركات باختيار العملات التي تناسبها للتسوية التجارية، وخلق "آليات إعادة تدوير" الرنمينبي، نجحت الحكومة فعلياً في تخفيف القيود المفروضة على تدفقات رأس المال القصيرة الأجل العابرة للحدود إلى الداخل.
أولا، تحتاج الصين إلى ضوابط رأس المال للحفاظ على استقلال السياسة النقدية إلى أن تصبح مستعدة لتبني نظام سعر الصرف المعوم. وكما أشار باري آيكنجرين في سياق نظام بريتون وودز في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن ضوابط رأس المال كانت سبباً في إضعاف "الصلة بين السياسات الاقتصادية المحلية والأجنبية، وتوفير الحيز اللازم للحكومات بملاحقة أهداف أخرى". ومع تراكم الفوائض من الحساب الجاري وحساب رأس المال، فإن سعر صرف الرنمينبي لا يزال خاضعاً لضغوط تدفعه إلى الارتفاع. وفي غياب الضوابط الكافية على تدفقات رأس المال القصيرة الأجل العابرة للحدود إلى الداخل، فإن بنك الشعب الصيني سيجد صعوبة جمة في الحفاظ على استقلال السياسة النقدية واستقرار سعر الصرف في نفس الوقت.
وثانيا، يتسم النظام المالي في الصين بالهشاشة، في حين تتسم بنيتها الاقتصادية بالصلابة. وبالتالي فإن الاقتصاد الصيني عُرضة بشكل كبير لهروب رأس المال. وفي الأعوام الأخيرة كانت الهشاشة المالية في الصين في ارتفاع، حيث قدرت ديون الشركات بما يتجاوز 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتجاوز المعروض الواسع من النقود 180 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. في بداية عام 2012، تركزت مخاوف الصين على ديون الحكومات المحلية، وشبكات الائتمان السرية، والفقاعات العقارية. والآن أضيف إلى القائمة نمو أنشطة الظل المصرفي. وفي غياب ضوابط رأس المال فإن أي صدمة غير متوقعة قد تؤدي إلى فرار رأس المال على نطاق واسع، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى انخفاض كبير في قيمة العملة، وارتفاع أسعار الفائدة إلى عنان السماء، وانفجار فقاعات الأصول، والإفلاس والعجز عن سداد الديون بين المؤسسات المالية وغير المالية، وفي النهاية انهيار النظام المالي في الصين.
والسبب الثالث لإبطاء عملية تخفيف ضوابط رأس المال هو أن الإصلاحات الاقتصادية في الصين تظل غير مكتملة، حيث لم يتم تحديد حقوق الملكية بشكل واضح بعد. ووسط الغموض المحيط بالملكية والفساد المستشري، فإن التدفق الحر لرأس المال عبر الحدود من شأنه أن يشجع غسل الأموال وتجريد الأصول، وهذا كفيل بإثارة توترات اجتماعية.
وأخيرا، مع تراكم ما يزيد على 3.3 تريليون دولار في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي، فإن الصين تُعَد هدفاً جذاباً بشكل خاص للمضاربين الدوليين. ونظراً لنظامها المالي غير المكتمل النمو وأسواق رأس المال التي تفتقر إلى الكفاءة، فإن الصين لن تكون قادرة على تحمل هجوم أشبه بتلك الهجمات التي أدت إلى الأزمة المالية الآسيوية في غياب الحماية التي توفرها ضوابط رأس المال. والواقع أنه حتى من دون هجمة مضاربة كبرى، فإن أنشطة المراجحة على أسعار الصرف وأسعار الفائدة التي تيسرت بفعل تدويل الرنمينبي كانت سبباً في تكبيد الصين خسائر كبيرة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي