Author

موارد الطاقة السعودية .. إلغاء الدعم الحكومي

|
تقوم حكومات الدول بدعم استخدام الطاقة بهدف حماية المستهلكين من التذبذب المستمر في أسعار الطاقة من خلال مجموعة متنوعة من برامج الدعم الحكومي المباشرة وغير المباشرة. ومن الأمثلة على برامج الدعم هذه ما تقوم به المملكة من دعم مباشر للمستهلك النهائي بمشاركته تكلفة الحصول على الوقود والكهرباء، وكذلك دعم مباشر للمنتج بمشاركته تكلفة الحصول على مواد الإنتاج الأولية من النفط والغاز. وعلى الرغم من شيوع مثل هذه الممارسات الحكومية في معظم دول العالم؛ تحقيقاً لذات الهدف السامي من الوصول إلى الرفاهية الاقتصادية لمواطنيها، إلا أنها دفعت أخيرا عديدا من الأوساط الدولية إلى المناداة بإعادة النظر في ممارسات الدعم الحكومي، هذا بما يضمن تحقيق أهداف بعيدة المدى تتمثل في استدامة توافر موارد الطاقة وحفظ مدخرات الأجيال المقبلة من البيئة الصحية الصالحة للحياة. وبين وجهتي النظر المتناقضتين في المناداة باستمرار الدعم الحكومي ونقيضتها في المناداة بوقفه، يكمن الدافع إلى تسليط الضوء على سلبيات وإيجابيات كل وجهة نظر، ورصد التطورات الدولية في هذا الجانب بما يمكن من إطلاق العنان للمقارنة البينية بين التجارب الدولية والتجربة السعودية. صدرت دراسة تحليلية الأسبوع الماضي من صندوق النقد الدولي، بعنوان ''إصلاح دعم الطاقة.. الدروس المستفادة والانعكاسات''. استعرضت الدراسة بإسهاب سلبيات وإيجابيات وجهة النظر المساندة لاستمرار الدعم الحكومي للطاقة ونقيضتها المساندة لوقفه. هدفت الدراسة إلى تقديم مقترح لكيفية إصلاح برامج الدعم الحكومي للطاقة من خلال تسليط الضوء على الانعكاسات السلبية لبرامج الدعم الحكومي للطاقة والتوقعات الإيجابية لوقف برامج الدعم الحكومي للطاقة، وأهم التحديات التي تواجه المجتمعات عندما تتوجه إلى استبدال برامج الدعم الحكومي للطاقة ببرامج أخرى بديلة. اعتمدت الدراسة على تحليل الوضع القائم لمنظومة الطاقة في 176 دولة، مع التركيز على طبيعة برامج الدعم الحكومي للطاقة في هذه الدول. اعتمدت عملية اختيار الدول حسب المعلومات المتوافرة عبر قنوات المعلومات العامة الدولية دون التواصل مع هذه الدول. ثم اتبعت عملية التحليل هذه بدراسة تجارب 22 دولة في وقف الدعم الحكومي للطاقة، وكذلك نقد 28 تجربة متنوعة ضمن هذه الدول الـ22. خلصت الدراسة إلى اتخاذ موقف داعم لوجهة النظر الداعمة لوقف برامج الدعم الحكومي للطاقة مع تقديم مجموعة من التوصيات في هذا الجانب بناء على الانعكاسات السلبية لاستمرار برامج الدعم الحكومي للطاقة. ومن أهم هذه الانعكاسات السلبية، حسبما جاء في الدراسة، أن استمرار الدعم سيؤدي إلى ظهور تحديات أمام الميزانية العامة للدولة، وسيؤثر في أولويات بنود الإنفاق الأخرى، وسيضعف جدوى استثمار القطاع الخاص في قطاع الطاقة. كما أن برامج الدعم الحكومي تسهم في تشجيع الإسهاب في استهلاك الطاقة؛ ما يسبب اختلالا في توزيع الموارد المالية للدولة، وتدعم تحدي البطالة من خلال تشجيع الاستثمارات المعتمدة على التقنية على حساب الاستثمارات المعتمدة على الموارد البشرية، وتقلص المحفزات على الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، وتسهم في نضوب الموارد الطبيعية، وتشجع تفاوت الدخل بين المواطنين بسبب استفادة الأسر ذات الدخل المرتفع من الدعم الحكومي على حساب استفادة الأسر ذات الدخل المنخفض. وأخيراً، أن برامج الدعم الحكومي تضيق الخناق على رفاهية الأجيال المقبلة بسبب المخلفات البيئة من الاعتماد على الموارد الطبيعية في إنتاج الطاقة. من ضمن الإحصاءات التي قدمتها الدراسة حول الوضع القائم للدعم الحكومي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن هذا الدعم المقدم يمثل قرابة 50 في المائة من إجمالي الدعم الحكومي العالمي، متجاوزاً بذلك قرابة 8.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. كما أن معدل الدعم الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي في دول المنطقة بلغ إجماليه قرابة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، موزعة بين قرابة 13 في المائة في الدول المصدرة للنفط وقرابة 7 في المائة في الدول المستوردة للنفط. كما قدمت الدراسة تجارب عديد من الدول في إصلاح برامج الدعم الحكومي للطاقة لديها والانعكاسات بعد تنفيذ برامج الإصلاح مقارنة بالوضع قبل تنفيذها. ففي تركيا على سبيل المثال، أسهم وقف الدعم الحكومي للوقود في 1998 إلى تحوّل حال شركات الوقود المملوكة للدولة من خسارة صافية في أرباحها إلى ربحية صافية. والتجربة ذاتها تم تنفيذها في إندونيسيا لكنها نجحت بمعدل أقل في 2005 بعد تجربتين غير ناجحتين أسفرت عن تخفيض الدعم الحكومي للطاقة من 3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2005 إلى 1.9 في المائة في 2006. والتجربة ذاتها سجلت نجاحا كبيرا عندما نفذت في البرازيل عندما تراجع معدل الدعم الحكومي للطاقة إلى إجمالي الناتج المحلي من 0.8 في المائة منتصف التسعينيات الميلادية إلى البدء في تحقيق الأرباح منذ 2002. وعلى الرغم من الإيجابيات التي قدمتها الدراسة لوقف برامج الدعم الحكومي للطاقة، إلا أنها سلطت الضوء على أن تنفيذ مثل هذه البرامج لا يخلو من التحديات. من أهم هذه التحديات القلق حول تكلفة المعيشة للأسر ذات الدخل المنخفض وإمكانية زيادة صعوبة الحياة أمامها، وكذلك المخاوف من زيادة معدل التضخم وفتح المجال للأسعار لتأخذ مرونتها في تقلباتها. وأيضا تراجع الرفاهية الاقتصادية للدولة بشكل عام. وعلى الرغم من جسامة هذه التحديات، إلا أن الدراسة أوصت بألا يتم تنفيذ أي برامج إصلاح تهدف إلى وقف الدعم الحكومي للطاقة دون إطلاق برامج متزامنة توفر بدائل للأسر ذات الدخل المنخفض من أسباب نمو دخلها بما يحقق عوائد معيشية أفضل مقارنة بالحال إبان حقبة الدعم الحكومي للطاقة.
إنشرها