خطوة حكومية للقضاء على التشوهات في سوق العمل
يأتي قرار مجلس الوزراء السعودي الأخير بتعديل المادة 39 وإلغاء المادة 233 من نظام العمل، خطوة في الاتجاه الصحيح؛ كونها ستعضض وتساند جهود وزارة العمل الحثيثة الرامية إلى الارتقاء ببيئة سوق العمل في المملكة، التي ظلت تعاني تشوهات عديدة لفترة طويلة من الوقت.
جدير بالذكر أن المادة التاسعة والثلاثين من نظام العمل قبل التعديل، نصت بالفقرة (1) بألا يجوز بغير اتباع القواعد والإجراءات النظامية المقررة، أن يترك صاحب العمل عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر، كما لا يجوز لصاحب العمل توظيف عامل غيره. وبالنسبة للفقرة (2) من المادة نفسها، فقد نصت على أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لحسابه الخاص، ولا يجوز للعامل أن يعمل لحسابه الخاص.
إن التعديل الذي طرأ على الفقرة الأولى من المادة المذكورة، منح وزارة العمل تولي مسؤولية التفتيش على المنشآت والتحقيق في المخالفات التي يتم ضبطها من قبل مفتشيها، ومن ثم إحالتها إلى وزارة الداخلية لتطبيق العقوبات المقررة بشأنها. في حين أن التعديل الذي طال الفقرة الثانية من ذات المادة، منح وزارة الداخلية صلاحيات أمنية واسعة، تمثلت في ضبط وإيقاف وترحيل وإيقاع العقوبات على المخالفين من العاملين لحسابهم الخاص (العمالة السائبة) في الشوارع والميادين والمتغيبين عن العمل (الهاربين)، وكذلك أصحاب العمل والمشغلين لهؤلاء والمتسترين عليهم والناقلين لهم، وكل من له دور في المخالفة وتطبيق العقوبات المقررة.
دون أدنى شك أن قرار مجلس الوزراء سيكون بمثابة قوة دفع كبيرة وقوية لوزارة العمل ولجهودها الرامية للقضاء على عديد من التشوهات، التي ظل وكما أسلفت يعانيها سوق العمل في السعودية لفترة طويلة من الزمن، بما في ذلك التعزيز من نسب السعودة والتوطين والقضاء على البطالة المنتشرة بين الشباب من الجنسين. كما أن التعديل الذي طال المادة 39 من نظام العمل، يتوقع له تحت هيبة القانون، أن يقضى على عديد من مظاهر الفساد في سوق العمل، التي ضربت بأطنابها بجميع الجهات بالسوق، وتسببت في حدوث اختلالات هيكلية، كان من المؤكد سيصعب حلها في ظل تراخي الضوابط، وعدم وجود قوانين صارمة تمنع وتحد من حالات الفساد المنتشرة في السوق، والتي تأتي على رأسها وفي مقدمتها المتاجرة بالتأشيرات واستخدام تصاريح العمالة المزورة؛ الأمر الذي تسبب في انتشار ظاهرة العمالة السائبة وغير النظامية في المملكة بأعداد مفزعة ومخيفة.
إن مثل هذه الخطوة الجريئة من الدولة والمتمثلة في مساندة الجهات الأمنية المعنية بالأمر لجهود السعودة في بلادنا، ستعمل على القضاء على السعودة الوهمية في المملكة، وفي وقف نزيف الاتجار بالبشر؛ كون أن الاتجار بالبشر لا يختلف بتاتاً في الجوهر والمضمون عن جريمة الاتجار بالتأشيرات.
إن القضاء على العمالة السائبة والهاربة من كفلائها وغير النظامية، سيتحقق عنه عديد من المزايا والفوائد الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الأمنية للمملكة؛ كون أن خلو السوق من ذلك النوع من العمالة، سيعزز من مستويات الأجور ومن مستويات الإنتاجية للعاملة النظامية، باعتبار أن العمالة السائبة بعد تعديل تلك المادة، لن تشكل بالنسبة للعمالة النظامية، وبالذات الماهرة منها، أي نوع من أنواع التهديد أو المنافسة غير العادلة وغير الشريفة. كما أن وجود عمالة نظامية في سوق العمل سيسهم بشكل فاعل في القضاء على السلع الرديئة والمغشوشة بما في ذلك المقلدة؛ كون أن سوق العمل في المملكة، سيصبح سوقا منظما، يعمل وفق آليات وتحت مظلة فرص عمل متكافئة وعادلة اجتماعياً واقتصادياً.
إن تعديل المادة 39 من نظام العمل، جاء في ظروف مواتية للغاية، يشهد فيه سوق العمل السعودي إصلاحات هيكلية غير مسبوقة، سواء كان ذلك على مستوى النوعي أم على الكمي، الأمر الذي يؤكد عليه التحسن الملحوظ الذي طرأ على أعداد الوظائف التي تم استحداثها في الاقتصاد الوطني خلال فترة وجيزة جداً من عمر الزمن، والتي تجاوز عددها نصف مليون وظيفة من الجنسين.
إن ما سيحققه هذا التعديل للمادة 39 من نظام العمل، من تعاون مشترك بين وزارة العمل ووزارة الداخلية، سيخفف عن كاهل وزارة العمل كثيرا من الأعباء التي أسندت إليها أخيراً والمرتبطة بالقضاء على البطالة في المملكة، وبالذات أن أحد الأسباب الرئيسة لإخفاقات السعودة والتوطين في سوق العمل في المملكة، هو انتشار العمالة السائبة وغير النظامية بأعداد كبيرة جداً، وعدم وجود الإمكانات الكافية لدى وزارة العمل لمتابعتها والتعامل معها.
خلاصة القول، أن قرار مجلس الوزراء السعودي بتعديل المادة 39 من نظام العمل، يعد قراراً اقتصادياً صائباً، باعتباره سيعزز من جهود الدولة الرامية إلى توطين الوظائف وسعودتها؛ بغية القضاء على البطالة في المملكة، ولا سيما أن هذا التعديل سيعيد إلى قوانين العمل هيبتها من خلال توفير الدعم الأمني اللازم لها من قبل وزارة الداخلية، الأمر الذي سيتحقق عنه عديد من الفوائد والإيجابيات، التي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها خلو سوق العمل من العمالة السائبة وغير النظامية، وغلق الأبواب في وجوه تجار التأشيرات.