الملك لأعضاء «الشورى»: لا تندفعوا
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــــ حفظه الله ــــ في كلمته التوجيهية بمناسبة تدشين أعمال السنة الأولى من الدورة السادسة لمجلس الشورى، والتي تشارك فيها المرأة السعودية للمرة الأولى في تاريخ المجلس، على ضرورة تفعيل أعمال المجلس بوعي أساسه العقلانية، التي لا تندفع على العجلة التي تحمل في طياتها ضجيجاً بلا نتيجة، مؤكداً في الوقت نفسه أن مكانة عضو مجلس الشورى، لا تعد مكانة تشريفية بل تكليفا وتمثيلا لشرائح المجتمع، لذلك فإن له تبعاته في المسؤولية، التي تفرض عليه تحكيم العقل في أي مسألة تعرض عليه.
هذه الكلمات التوجيهية السامية للملك عبد الله التي وجهها لأعضاء مجلس الشورى في الدورة السادسة للمجلس، تحمل في طياتها العديد من الرسائل المهمة في الأسلوب والطريقة، التي من المفترض أن يتعاطى معها أعضاء المجلس مع القضايا التي تعرض عليهم للنظر فيها وإبداء المشورة، وبالذات في ظل الظروف السياسة والاقتصادية والاجتماعية الحرجة التي تمر بها المنطقة العربية وتمر بها معظم دول العالم. من هذا المنطلق فإنه يتعين على أعضاء المجلس لدى مباشرتهم لقضايا معينة تعرض عليهم، أن يحكموا العقل والمنطق قبل العاطفة وألا يندفعوا في قراراتهم وأن يغلبوا المصلحة الوطنية على العاطفة والمواقف الشخصية، ولا سيما أن 20 في المائة من أعضاء المجلس هن من النساء، واللاتي بحكم فطرتهن وطبيعة تكوينه تتغلب عليهن العاطفة في اتخاذ القرارات والتعامل مع القضايا الحياتية المختلفة.
فأعضاء مجلس الشورى اليوم ليس لديهم أي عذر بما منحهم نظام الشورى الأساسي والتعديلات اللاحقة من صلاحيات واسعة في مباشرة مختلف القضايا والإخفاقات التي يعانيها المجتمع السعودي في مختلف مناحي ومجالات الحياة، خاصة أن نظام المجلس يكفل للأعضاء إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، وله على وجه الخصوص الحق في مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها. ومن بين الصلاحيات أيضاً الممنوحة للمجلس، مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها. كما تتيح المادة الثالثة والعشرون للمجلس اقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ والرفع للملك.
هذه الصلاحيات الواسعة الممنوحة لأعضاء المجلس والثقة الملكية الغالية الممنوحة لهم باختيارهم، توجب عليهم دراسة العديد من الملفات والقضايا والمشاكل المحلية التي لا تزال عالقة حتى يومنا هذا ولم نجد لها الحلول الشافية والمناسبة للتعامل معها والقضاء عليها، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، رداءة مستوى خدمات قطاع النقل العام في المملكة، والتي تسببت في حدوث اختناقات مرورية على مدار الساعة في معظم مدن ومحافظات المملكة، إضافة إلى أن حدوث حوادث سير مميتة في المملكة تحصد أرواح الآلاف سنوياً، وصنفت المملكة وللأسف الشديد من بين أعلى الدول على مستوى العالم في تسجيل أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي، حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان، وتقدمت بذلك على دول كثيرة من حيث عدد الوفيات.
من بين الملفات والقضايا الاقتصادية والتجارية العالقة أيضاً، التي تتطلب من مجلس الشورى في دورته السادسة التعامل معها بجدية وحزم وإيجاد الحلول المناسبة لها، قضية الغش والتستر التجاري، والتي لا يخفى على أحد ما تتسبب فيه هذه القضايا من إضرار بمقدرات ومكتسبات الاقتصاد الوطني، وما تحدثه أيضاً من أضرار اجتماعية وأمنية.
وعلى مستوى القضايا الاجتماعية، فإن مجلس الشورى مطالب بدراسة العديد من الظواهر المجتمعية السلبية التي بدأت تظهر وللأسف على السطح، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قضايا العنف الأسرى، ومعالجة قضايا الشباب المختلفة مثل البطالة والفراغ وانتشار المخدرات وإلى غير ذلك من القضايا التي تعمل على إدخال الاحباط إلى نفوس الشباب السعودي وتتسبب في إهدار طاقة اقتصادية مهمة وفاعلة في النهوض بمستوى التنمية في المملكة.
وبالنسبة للمرأة ودخولها إلى مجلس الشورى من أوسع أبوابه، فإنه يتطلب منها أن تكون على مستوى الثقة الملكية الكريمة التي منحها إياه الملك عبد الله، عندما كفل لها التمتع بكامل حقوقها كعضوة في المجلس وأن تلتزم بالواجبات، والمسؤوليات، ومباشرة المهمات. من هذا المنطلق فالمرأة في مجلس الشورى مطلوب منها التركيز خلال المرحلة المقبلة على مباشرة القضايا التي لها مساس مباشر بحياة المرأة السعودية والتي ترتبط بصيانة حقوقها والمحافظة عليها، دون الالتفات في الوقت الحاضر إلى قضايا وملفات لا أقول إنها هامشية، ولكن قد لا تأخذ طبيعة الأولويات مثل قيادة المرأة للسيارة وإلى غير ذلك من القضايا المماثلة، لكون أن هناك قضايا أخرى أكثر تعقيداً وشمولية تتعلق بالمرأة وتعمل على تنغيص حياتها اليومية وتحرمها من العيش الكريم، كقضايا المعنفات من قبل أزواجهن أو آبائهن أو أبنائهن، وكذلك قضايا المطلقات والأرامل وصيانة حقوقهن وكرامتهن من التعدي من قبل الآخرين.