كارثة سيول تبوك.. فساد عارم وضمير ميت
كشفت كارثة السيول التي حلت أخيراً بمحافظة تبوك نتيجة هطول الأمطار عن فساد عارم وضمير ميت في الأسلوب والطريقة، التي تباشر فيها الجهات المسؤولة في الحكومة عن تنفيذ مشاريع البنى التحتية والفوقية في المملكة.
إن ما حدث في محافظة تبوك من أضرار بالغة لحقت بالبنية التحتية والفوقية للمحافظة، وتسببت في معاناة المواطنين والمقيمين، أمر يندى له الجبين ويبكي له الضمير اليقظ الذي لا يقبل بأي حال من الأحوال التلاعب بأرواح الناس والإضرار بالممتلكات والمكتسبات العامة.
إن ما حدث في تبوك يذكرنا بالكارثة السوداء التي حلت بمحافظة جدة عام 1430هـ عندما اجتاحت السيول المحافظة وتسببت في إزهاق الأرواح البريئة والإضرار بالمقدرات والمكتسبات الاقتصادية، والتي كشفت عنها جولة ميدانية لصحيفة "الاقتصادية" في وقت سابق.
وإن كانت كارثة سيول تبوك تختلف بعض الشيء في حجم الخسائر، التي اقتصرت على محافظة تبوك ولله الحمد والمنة على الأشياء المادية مقارنة بكارثة سيول جدة، إلا أنها لا تزال تدق ناقوس الخطر في قدرة مواجهة مدن المملكة الرئيسة وقرها وهجرها لأحداث مماثلة، وبالذات في ظل رداءة تنفيذ مشاريع البنى التحتية نوعاً وكماً، بما في ذلك المباني والمنشآت الأخرى مثل المدارس والجامعات والكليات والمعاهد والمساجد والمستشفيات.
الأسئلة التي تطرح نفسها، إلى متى ستسمر معاناة المواطن والمقيم في المملكة من سوء ورداءة تنفيذ مشاريع البنى التحتية والفوقية؟، وهل يعقل وفقما تشير المعلومات، أن هناك نحو ثلاثة آلاف مشروع متعثر تم تمويليها من الميزانية العامة للدولة، بمبالغ تجاوزت قيمتها 1.5 تريليون ريال خلال الفترة 2004 ـــ 2012؟
على الرغم من صعوبة الإجابة على تلك الأسئلة، إلا أن الواقع يؤكد أنه رغم الإنفاق الحكومي السخى على مشاريع البنى التحتية والمشاريع التنموية الأخرى، إلا أن هناك من الشوارع والأنفاق والكباري والمستنقعات المائية الناتجة عن الأمطار والسيول، التي لا تضمن السلامة المرورية للمواطنين والمقيمين، ولا توفر لهم العيش الكريم والحياة الهادئة التي تنشدها الدولة، إذ يعيش المواطن والمقيم حالة من الرعب والتوجس بأن قد يصبح يوما ما هو وأسرته وممتلكاته الشخصية ضحية لتلك السيول ولسوء التخطيط المرتبط بتنفيذ مشاريع البنى التحتية والفوقية.
الزميل الدكتور عبد العزيز الغدير الكاتب في صحيفة "الاقتصادية" أشار في مقال له بعنوان: "البنى التحتية خط أحمر" في الصحيفة ذاتها في العدد 7051، أن أحد أسباب تضرر مشاريع البنى التحتية في المملكة، أن الكل يحفر ويدفن حتى باتت شوارعنا مشوهة وأحياؤنا ورش عمل لا يقف العمل فيها وتتكلف الدولة والشركات المعنية بالخدمات تكاليف باهظة، ويعاني المواطنون نفسيا واجتماعيا. وأكد أنه بمجرد أن يدفن أحد المقاولين ما حفره بعد أن مدد ما هو منوط به تمديده من خدمات ويقوم بسفلتة الشارع بشكل مخزِ من ضعف الجودة، يبدأ المقاول الآخر بالحفر لتمديد خدمات أخرى وهكذا، ما أدى إلى أن شوارع رئيسة مشوهة تعاني الحفر والتمديد والدفن وإعادة هيكلة الشارع لسنوات عديدة وما يزال الشارع يخضع للصيانة ويعاني مستخدموه من الزحام الشديد والتعرجات والتشوهات، التي أضرت بهم وبممتلكاتهم ومركباتهم بشكل كبير.
ديوان المراقبة العامة كشف في وقت سابق أن هناك عشرة أسباب أعاقت تنفيذ مشاريع حكومية قدرت بأربعة آلاف مشروع في المملكة، بلغت قيمتها ستة مليارات ريال، موضحا أن من بين أبرز أسباب تعثرها ضعف التخطيط للمشاريع في مراحل إعداد دراسات الجدوى، ووضع التصاميم الهندسية والشروط والمواصفات الفنية، وكثرة التعديلات وتعدد أوامر التغيير بالحذف أو الإضافة أثناء مراحل التنفيذ، مما يتسبب في تمديد فترات العقود وزيادة تكاليفها المالية وتكاليف الإشراف، إضافة إلى تأخر الاستفادة من المشروع.
هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» هي الأخرى، كشفت في صحيفة "عكاظ"، أن من بين أسباب تعثر المشاريع، إسناد مهمة الإشراف لبعض المشاريع عمدا لغير الأكفاء بغرض الاستفادة المادية، وهذا يسفر عن تعثر المشروع وغياب الجدية في تطبيق العقوبات على المصممين والمشرفين والمقاولين، الذين يتسببون في تعثر المشاريع، كما أن وجود أسعار مختلفة للعمل نفسه، يؤدى إلى دفع المقاولين للتفاهم مع المشرفين لاحتساب السعر الأعلى، مما يعني صرف مبالغ بطرق غير مشروعة ووجود تداخل بين المصممين والمشرفين والجهات الممولة للمشاريع.
الخروج من مأزق سوء تنفيذ المشاريع الحكومية في المملكة على وجه العموم، ومشاريع البنى التحتية والفوقية على وجه الخصوص، يتطلب وبأسرع وقت تفكير الدولة في إنشاء هيئة رسمية مستقلة على مستوى المملكة، تُعنى بالتخطيط لتنفيذ المشاريع الحكومية على مستوى الوطن، والإشراف والمراقبة على التنفيذ، شريطة أن ترتبط إدارياً بالمقام السامي، لتحظى بالاستقلالية الإدارية التامة التي تمكنها من القيام بالمهام المنوطة بها على الوجه المطلوب. كما أن الأمر يتطلب إعادة تصنيف شاملة للمقاولين وشركات المقاولات، بحيث يتم استبعاد الشركات غير المؤهلة للدخول في مشاريع حكومية مهمة ترتبط بالبنى التحتية والفوقية، إضافة إلى فرض نظام عقوبات صارمة على شركات المقاولات والمقاولين المتعثرين في تنفيذ المشاريع لأسباب وأعذار واهية وغير مقبولة بما في ذلك التشهير ووضعهم في قائمة سوداء.