القمة العربية وهموم المواطن العربي

شهدت الرياض في الأيام الماضية القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وشهدت هذه القمة مجموعة من التوصيات المهمة التي تلامس حاجة المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. هذه القمة تأتي في وقت عصيب تشهده الأمة العربية نتيجة لمجموعة من المتغيرات على المستويين العربي والعالمي. حيث إن التقلبات الاقتصادية العالمية انعكست على ظروف كثير من الدول العربية بما يعكس حالة من ضعف في الاقتصاد تشهده بعض الدول العربية، إضافة إلى التقلبات السياسية في المنطقة من التحولات في الحكومات بسبب ثورات ما يسمى الربيع العربي، التي تغيرت فيها أنظمة الحكم بشكل جذري وما زالت دولة مثل سورية حاليا تعاني الأمرّين من نظام ظالم لا يعرف إلا لغة القوة والقتل مع شعبه. تتميز هذه القمة بموضوعها الذي يختص فقط بالجانب التنموي الاقتصادي والاجتماعي، حيث إن المواطن العربي اعتاد نمطا معينا من القمم العربية، التي يأخذ البعد السياسي الجانب الأهم وتغفل كثيرا من الاحتياجات، التي تلامس بشكل مباشر هموم المواطن العربي مثل البطالة وفرص العمل والتعليم والصحة والتنمية وتعزيز الأنشطة التجارية والصناعية. وكانت تلك القمم تخرج بنتائج لم تنعكس بصورة واضحة على المواطن العربي طوال عقود مضت من العمل العربي. وشهدت تلك القمم تقلبات في الرؤى للدول العربية انتهت أحيانا بنتائج ليس لها ذلك الأثر في العمل العربي المشترك. أما فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، التي غالبا ما تناقش المصالح المشتركة، فإن احتمال الخروج بنتائج إيجابية كبير، وهذا ما تؤكده تجربة كثير من دول العالم مثل التجمع في الشرق في آسيا رغم الخلافات السياسية، إلا أنه انعكس بشكل إيجابي على العلاقات السياسية بين تلك الدول. وهذا واضح بشكل كبير في الاتحاد الأوروبي، فالاختلاف في التوجهات السياسية لم يؤثر في تحقيق المصلحة المشتركة في الاتحاد بين الدول الأوروبية الذي يرتكز بشكل كبير على الجانب الاقتصادي، والذي نشأت عنه العملة الأوروبية الموحدة والسوق المشتركة بين تلك الدول والتبادل التجاري وسهولة التنقل البيني بين تلك الدول، سواء على مستوى المواطنين أو على مستوى التجارة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. من التوصيات التي خرج بها المؤتمر قضايا مهمة تتعلق بالشباب ومعالجة مشكلة البطالة وإيجاد فرص العمل. والبطالة كما نعلم هي الشرارة التي أشعلت الثورات العربية خلال السنوات الماضية، وهي أزمة تعود إلى مجموعة من المتغيرات التي منها ارتفاع نسبة الشباب بين المواطنين في الدول العربية، إضافة إلى حالة عدم الاهتمام بالتنمية التي يعانيها بعض الدول العربية وتأخر البعض في تهيئة البيئة الاستثمارية بما يشجع على استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تخلق فرص العمل، كما أن الأزمة السياسية، التي يعانيها بعض الدول العربية أثرت في اقتصادها بشكل واضح. من القضايا المهمة التي تمخضت عنها القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية مسألة دعم البحث العلمي، التي هي أساس تحقيق التنمية. فلا يمكن أن تتحقق تنمية حقيقية مستدامة دون أن تنشأ من خلال بحث علمي متميز، والبحث العلمي يؤسس لبناء اقتصاد معرفي، إضافة إلى مسألة التطوير المستمر الذي يتبعها ويعزز من استدامة كفاءة الاقتصاد للاستمرار في تحقيق تنمية مستدامة ويحقق للاقتصاد تنافسية عالية، إضافة إلى اعتماد الاقتصاد على المعرفة والابتكار. وهذا ما دعم الاقتصادات الكبرى عالميا، إضافة إلى نمو اقتصادات جديدة تنافس على المستوى العالمي كما هو الحال في الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وغيرها من الدول، التي حققت تحولا كبيرا في اقتصادها. والبحث العلمي يفترض أن يكون جزءا من عمل أي مؤسسة، سواء في القطاع الخاص أو العام، ومن المهم أن يوفر له الدعم المادي والمعنوي والبنية التحتية التي تمكن العلماء والباحثين من تقديم عمل متميز ومتكامل ويركز على الاحتياجات، التي تتطلبها التنمية. ولعل موضوع الطاقة البديلة الذي برز في توصيات الاجتماع لا يمكن أن يتحقق فيه تقدم إلا بعد أن يبدأ العمل فيه من خلال مراكز البحث العلمي.
الخلاصة أن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية تأتي في وقت يشهد تحولات في المنطقة، وهي مبادرة لعلاج قضايا تنموية تحتاج إليها الدول العربية لتحقيق الاستقرار وتلبية لاحتياج المجتمعات العربية والتكامل في مشاريعها التنموية بما يتواءم مع المتغيرات في العالم، خصوصا أن المنطقة تأخرت كثيرا عن الركب العالمي، وهذا يدعو إلى مضاعفة جهود الحكومات لتفعيل التوصيات التي خرج بها المؤتمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي