الحرب الإسرائيلية الإيرانية .. استنزاف اقتصادي
بغض النظر عن الأبعاد السياسية والعسكرية، وضعت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية المنطقة والعالم على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة، وتمتد تفاعلاته من التأثيرات الجيوسياسية إلى الاقتصادية وخطط التنمية المستدامة.
العالم ضاق ذرعا بجنون الحروب، فقد أثبتت التجربة الماثلة في مناطق مختلفة أنه لا معارك دون تكاليف اقتصادية وخيمة، ولا استقرار وتنمية مستدامة في بيئة مضطربة، فشرارة الحرب تبدأ بمنطقة واحدة لكن التداعيات تمد بعيدا، خصوصا إذا كانت في منطقة غنية بالموارد وتشكل ركيزة في أمن الطاقة العالمية.
الحرب التي بدأت الجمعة بهجوم إسرائيلي على منشآت نووية وعسكرية إيرانية أحدثت تحوَّلًا خطيرًا في نزاع الشرق الأوسط، ليصبح بين جيشين نظاميين لا تربطها حدود مشتركة، لكن نيرانها تطال دول المنطقة، التي تؤمن بالحوار لحل الخلافات وليس بالقوة لتسوية النزاعات.
ما السيناريوهات المحتملة لاستمرار المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على الاقتصاد العالمي؟
وما القطاعات المتضررة من هذا النزاع؟
وهل الحرب وسيلة انتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعطاء "جرعة بقاء" لحكومته التي تعاني تصدعات داخلية نتيجة الحرب الدائرة في غزة منذ 20 شهرا؟
وهل راعت إسرائيل مصالح المنطقة المتشابكة قبل الإقدام على خطوتها العسكرية المتهورة؟
أسئلة كثيرة تدور في بال المراقبين الذين يشاهدون تحولات تدريجية في بنك الأهداف من تدمير النووي الإيراني إلى استهداف النفط والغاز والمرافق الاقتصادية.
دون مواربة الحرب أدخلت الأسواق العالمية في دوامة قلق على أسواق النفط والطاقة وسلاسل الإمداد وزادت حالة فقدان الثقة في أوساط المستثمرين الذين يعانون -في الأصل- الضبابية وتبعات الحرب التجارية العالمية.
تكلفة الحرب الدائرة في حال استمرارها تتعدى تكلفة الصواريخ والأسلحة المستخدمة، وتمتد إلى البنية التحتية وخصوصا المدنية والحيوية ذات الطابع الخدمي والمساس المباشر بملايين السكان التي تحتاج وقتا طويلا لإعادة بنائها.
من المبكر تقدير حجم الخسائر الاقتصادية للحرب لكن بدايتها تسببت في هبوط أسواق العالم وارتفاع أسعار النفط 7%. الأمر قد يطال أسعار السلع العالمية التي ستضاف إليها رسوم حرب وخصوصا لشحن الواردات التي تستوردها دول الشرق الأوسط، وهو ما يضيف أعباء على موازين المدفوعات ويثير قلقا بشأن مستقبل سلاسل الإمدادات، ولا سيما مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 20 مليون برميل يوميا.
مجرد التفكير بإغلاق هذا المضيق الحيوي سيعرض العالم لضغوط التضخم، مع انتقال جزء من ارتفاع التكاليف إلى أسعار الوقود والمشتقات، إلى السلع المنتجة.
الخلاصة: قرارت نتنياهو الرعناء بشأن الحرب تهدف إلى تعطيل المفاوضات الأمريكية الإيرانية ولم تراعِ مصالح العالم، وتعيد المنطقة مجددا إلى عهد الاستنزاف الاقتصادي، كما أن المماطلة الإيرانية في مفاوضات الملف النووي والتسويف غير المبرر من جانبها في حسم موقفها بشأن أهدافه العسكرية وتحويله إلى أغراض مدنية زاد الطين بلة وحالة القلق في منطقة لا يمكن أن تكون رهينة حروب نووية مدمرة، وهذا أمر لا يقبله العقل والحكمة في منطقة تشق طريقها نحو التنمية المستدامة، فلا أحد يمتلك قوة أو قرار تعطيل قطارها.