هل تنقذ "أبل" جهاز آيفون المزود بميزات الذكاء الاصطناعي في الصين؟

هامش الوقت المتاح أمام تيم كوك لمعالجة الوضع يضيق سريعاً

 

تواجه "أبل" ضغوطاً اقتصادية وتنظيمية في الصين لكن ما زال أمامها بعض الوقت لتحسين أدائها في الذكاء الاصطناعي

 

الشراكة مع "علي بابا" قد تشكّل ورقة رابحة لـ"أبل" في سوق الذكاء الاصطناعي الصينية

 


إذا بدا لك أن "أبل" تواجه تحديات في مجال الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، فاعلم أن وضعها قابل لأن يكون أسوأ بكثير. يكفي أن تنظر إلى حالها في الصين.

إن ميزات الذكاء الاصطناعي في هواتف "آيفون" لم تُطرح بعد في السوق الصينية. وأولئك الذين كانوا يترقبون إعلاناً بشأنها خلال مؤتمر "أبل" العالمي للمطورين هذا الأسبوع، خاب أملهم مرّة أخرى.

رغم تقارير سابقة توقّعت إطلاق خدمة "أبل إنتليجنس" (Apple Intelligence) خلال مايو في الصين التي تُعدّ واحدة من الأسواق التي تسجّل أعلى مستويات الطلب العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن غياب أي إعلان جديد في هذا الشأن ليس بمفاجأة.

لا يزال طرح ذلك يصطدم برقابة تنظيمية مشدّدة على ضفتي المحيط الهادئ. ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" الأسبوع الماضي أن شراكة "أبل" مع مجموعة "علي بابا" لنقل خدماتها في مجال الذكاء الاصطناعي إلى الصين تأخّرت مجدداً بسبب تدخّل جهة تنظيمية في بكين، وسط احتدام حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.


ضغوط الأوضاع الاقتصادية في الصين


تكاد "أبل" لا تجد مجالاً لالتقاط أنفاسها. ومع ذلك، لا تزال هناك بوادر أمل في إمكانية إنقاذ الخدمة، حتى وإن كان هامش الوقت المتاح أمام الرئيس التنفيذي تيم كوك يضيق بسرعة.

لقد تراجعت شعبية "أبل" في الصين بلا شك مع صعود منافسين محليين، مثل "هواوي" التي تطرح هواتف ذكية متطوّرة. بين استطلاع نشرته بلومبرغ إنتليجنس هذا الأسبوع أن 21% فقط من المستهلكين قالوا إنهم يفضّلون "أبل" لدى اختيار هاتفهم المقبل، مقارنة بـ29% قبل عام.

ما يقلق كوك أكثر هو تراجع ولاء المستخدمين الحاليين، إذ أفاد 62% من مستخدمي "آيفون" في الصين أنهم ينوون مواصلة استخدام هواتف "أبل"، بانخفاض من 81% قبل عام.

غير أن هذه الأرقام تكشف عن صورة أوسع، إذ أن "أبل" ليست وحدها التي تخسر جاذبيتها.

إذ تراجعت شعبية الهواتف الذكية من العملاق المحلي "هواوي" بوتيرة تفوق بكثير ما شهدته "أبل"، في وقت بات المستهلكون يؤجّلون استبدال هواتفهم لفترات أطول.

وبينما انصبّ تركيز الغرب على مشكلات "أبل" في الصين، تظهر الصورة أيضاً معاناة المستهلكين المحليين الذين يحجمون عن الإنفاق تحت وطأة الضغوط الانكماشية وحالة عدم اليقين التي تلفّ الاقتصاد الكلّي.

وفيما تعمل بكين على تحسين هذا الواقع، فهو قد يمنح "أبل" هامشاً من الوقت هي في أمسّ الحاجة إليه لطرح هواتف "آيفون" المدعّمة بالذكاء الاصطناعي في سوق استهلاكية أكثر استعداداً.


تحدي نيل الموافقات من الهيئات الناظمة


يبقى التحدّي الأكبر بطبيعة الحال نيل موافقة الجهات الناظمة في بكين. وكلّما استطاع تيم كوك التعويل على الشريك المحلي "علي بابا" لتسريع هذه العملية، وإقناع السلطات الصينية بأنها صفقة رابحة للطرفين، زادت فرص النجاح.

وفي حين أثارت هذه الشراكة حفيظة البعض في واشنطن، على "أبل" أن تشدّد في خطابها أنها ستحتفظ بكامل تحكمها بالعتاد، وأن وجودها في السوق الصينية يسهم في كبح الصعود العالمي لشركات مثل "هواوي"، التي لطالما كانت في مرمى سهام المشرّعين الأمريكيين.

لا تزال "أبل"، كعادتها، متحفّظة حيال نطاق شراكتها مع "علي بابا". لكن هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل ربما أكثر حتى من الآمال المعقودة على تحالفها مع "أوبن إيه آي" في الولايات المتحدة. فهذه الشراكة مع "علي بابا" قد تمنح "أبل" فرصة لإحياء طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، أقله في السوق الصينية.

فيما تعثّرت جهود "أبل" في هذا المجال، أسهمت الاستثمارات الضخمة التي ضخّتها "علي بابا" في ارتقائها إلى مصاف أبرز اللاعبين العالميين. حتى الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" جينسن هوانج، وصف نماذج "كوين" (Qwen) التي طوّرتها "علي بابا" بأنها "من بين أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر"، مشيداً بفوائد تشغيلها على الأجهزة الأمريكية.


أهمية الشريك المحلي


الطبيعة مفتوحة المصدر لنماذج "كوين" تعني أيضاً أن المطوّرين قادرون على تحسينها باستمرار، وتحميلها لتشغيلها على خوادمهم الخاصة، ما يخفّف من بعض الهواجس الأمنية التي تربطها واشنطن عادةً بالتقنية الصينية.

لكن التعويل على "علي بابا" لتولّي الجانب الأكبر من تطوير الذكاء الاصطناعي خطوة غير مألوفة لدى "أبل"، التي اعتادت السعي إلى التحكّم بأدقّ تفاصيل منتجاتها. لكن الشركة مضطرة اليوم للتكيف مع الواقع الجديد. وكلما تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى سلعة أكثر انتشاراً في الصين، ازدادت أهمية وجود شريك محلي يتحمل بعض الأعباء المكلفة. وهو ما يتيح لـ"أبل" تركيز مواردها على تعزيز تفوّقها في الجيل المقبل من الأجهزة الاستهلاكية المدعّمة بالذكاء الاصطناعي.

وهذا مجال لا يزال في بداياته، ما يمنح "أبل" فرصة فعلية لتعويض تأخّرها ولتفعل ما تتفوق به، أي طرح نسخ مصقولة من أجهزة سبق أن أطلقها المنافسون على عجل. أما التخلف أكثر عن الركب فيُهدّد هيمنة الشركة على سوق المنتجات الإلكترونية العالمي.

ترَكّز جانب كبير من النقاشات الأخيرة حول علاقة "أبل" مع الصين على المخاطر المرتبطة باعتماد الشركة الكبير على البلاد كمركز رئيسي للتصنيع. لكن حين يتعلّق الأمر بالاستفادة من القاعدة الاستهلاكية، يتحوّل هذا الاعتماد إلى ورقة قوة، تثبت لبكين بأنها ليست مجرّد شركة أجنبية تستغل السوق، بل شريك يدعم ملايين الوظائف.

ويبقى أن نرى إلى أي مدى سيتمكّن تيم كوك من الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بعدما أمضى عقوداً يكسب وقتاً، ويوازن بين طرفين. لمصلحة "أبل"، لنأمل أن يتمكن من الاستمرار في ذلك لعقود مقبلة.


خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي