هل تنفذ قرارات القمة؟
عجيب أمر الدول العربية، فالغنية منها تقدم المبادرات وتنفق الأموال بهدف تنمية الدول الأخرى، بينما الأكثر احتياجاً تمانع تارة، وترفض تارة أخرى، وتضع العراقيل تارة ثالثة. صحيح أن الدول الكبرى، كالسعودية مثلاً، تقوم بما يفرضه عليها واجبها الأخلاقي، ولا تنتظر حمداً ولا شكورا، إلا أن استمرار المعوقات وعدم تنفيذ القرارات التي تصدر في القمم العربية، يجعل مواطني هذه الدول هم الأكثر تضرراً من تصرفات حكوماتهم.
هذا الأمر لم يغب عن كلمة ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز عندما قال: ''يحدوني الأمل أن تجد قرارات هذه القمة طريقها للتنفيذ بكل جدية ومصداقية، وبالسرعة المطلوبة، وفي إطارها الزمني المحدد، حتى تبلغ أهدافها المنشودة''، فالخطر الذي يحيق بالعرب ليس في عدم اجتماعهم أو عدم خروجهم بالقرارات المناسبة، الخطورة الحقيقية في عدم تنفيذهم قرارات اتفقوا عليها ولم يلتزموا بها، ولنعد لمئات القرارات التي أصدرتها القمم العربية طوال 50 عاماً لنجد أننا ندور في الدائرة ذاتها، غير أن ما يحدث في القمم الاقتصادية أشد وطأة، فالدول العربية، خاصة مصر وتونس وليبيا تعاني الأمرّين في إنعاش اقتصاداتها المتهالكة، ومع هذا فإن تفاعل مؤسساتها الاقتصادية لا يزال أقل مما هو منتظر من اقتصادات مطلوب منها أن تقاتل باستماتة لجذب الاستثمارات الخارجية، وإلا كيف نتوقع من مستثمر عربي أن ينفق دولاراً واحداً في بيئة استثمارية غير آمنة؟
كم كان بودي أن أكون متفائلاً، وهو ما كنت أظنه صفة تلازمني، لكن محمد التويجري أمين عام الجامعة العربية المساعد للشؤون الاقتصادية لم يترك لي أي فرصة لذلك، فهو يرى أن الوحدة الاقتصادية ''كلام فاضي''، وأن الدول العربية ''طاردة للاستثمار''! بالله عليكم: إذا كانت هذه رؤية أكبر مسؤول اقتصادي في الجامعة العربية، فكيف نتخيل كمية العقبات التي تعتري التعاون الاقتصادي بين الدول العربية؟
ومع كل كمية التشاؤم التي رماها التويجري ومضى، سأبقي على مساحة، ولو صغيرة للتفاؤل، بعد إقرار اتفاقية استثمار رؤوس الأموال في الدول العربية، التي تمنح المستثمر حماية من أي تعديات غير قانونية في الدول التي يستثمر فيها، وكذلك ''التمتع بحرية تحويل رأس المال وعوائده إلى أي دولة طرف دون تأخير''، كما تنص الاتفاقية على ''عدم خضوع رأس المال لأي تدابير ''خاصة أو عامة دائمة أو مؤقتة مهما كانت صيغتها القانونية''. لو لم تخرج القمة إلا بإقرار هذه الاتفاقية والتزمت الدول العربية بتنفيذها، لوجدنا عودة، ولو كانت جزئية، للاستثمارات العربية في العالم، فالقطاع الخاص هو الذي يعول عليه قيادة دفة سفينة الاستثمارات العربية، أو كما قال العاهل السعودي في افتتاح القمة، عندما أكد ضرورة قيادة القطاع الخاص العربي قاطرة النمو. الكرة في ملعب الدول العربية المنهكة اقتصادياً، ولها أن تختار بين تفعيل قرارات القمة وتنمية اقتصاداتها، أو الاستمرار في وضع العصا في الدولاب.