الأخلاق والزراعة

تُرى هل ينبغي للدول الغنية -أو المستثمرين المقيمين هناك- أن يشتروا أراضي زراعية في الدول النامية؟ أثير هذا السؤال في تقرير الصفقات العابرة للحدود الوطنية لشراء الأراضي للزراعة في الجنوب العالمي، الصادر في العام الماضي عن شراكة مصفوفة الأراضي، وهي عبارة عن اتحاد مؤلف من معاهد البحوث والمنظمات غير الحكومية الأوروبية.
ويبين التقرير أنه منذ عام 2000، اشترى مستثمرون أو هيئات حكومية في دول غنية أو ناشئة أكثر من 83 مليون هكتار (أكثر من 200 مليون فدان) من الأراضي الزراعية في دول نامية أكثر فقرا. وهذا يعادل نحو 1,7 في المائة من الأراضي الزراعية على مستوى العالم.
وقد أبرمت أغلب صفقات الشراء هذه في إفريقيا، حيث تم ثلثاها في بلدان حيث الجوع منتشر، وحيث تتسم المؤسسات المخولة بسلطة تعيين ملكية الأراضي بالضعف. ويبلغ مجموع الأراضي التي تم شراؤها في إفريقيا وحدها، من الأرض المزروعة، مساحة كينيا.
ويُقال: إن المستثمرين الأجانب يشترون الأراضي التي تُرِكَت عاطلة، وبالتالي فإن شراءها لتحويلها إلى أراض منتجة من شأنه أن يزيد من المتاح من الغذاء إجمالا. بيد أن تقرير شراكة مصفوفة الأراضي وجد أن هذه ليست الحال: ذلك أن ما يقرب من 45 في المائة من عمليات الشراء تشمل أراضي محاصيل منتجة بالفعل، وثلث الأراضي التي تم شراؤها كانت غابات، الأمر الذي يشير إلى أن تطويرها قد يشكل تهديدا للتنوع البيولوجي.
وتطلق مؤسسة أوكسفام الدولية على بعض هذه الصفقات وصف "الاستيلاء على الأراضي"، ويشير تقريرها الصادر بعنوان "أرضنا، حياتنا" إلى أنه منذ عام 2008، تقدمت المجتمعات التي تضررت من مشاريع البنك الدولي بـ 21 شكوى رسمية ادعت فيها حدوث انتهاكات لأراضيها. وفي سعيها للفت الانتباه إلى عمليات استحواذ واسعة النطاق على الأراضي، وانطوت على انتهاكات مباشرة للحقوق، دعت مؤسسة أوكسفام البنك الدولي إلى تجميد الاستثمارات في شراء الأراضي إلى أن يصبح بوسعه وضع معايير تضمن إبلاغ المجتمعات المحلية بها مقدما، وتمكينها من اختيار رفض هذه الاستثمارات. كما تريد أوكسفام من البنك الدولي أن يضمن عدم تسبب صفقات شراء الأراضي هذه في تقويض الأمن الغذائي المحلي أو الوطني.
وردا على ذلك، وافق البنك الدولي على أن هناك حالات تلاعب وظلم في عمليات الاستحواذ على الأراضي، خاصة في الدول النامية، حيث الإدارة الحكومية ضعيفة، وأكَّد دعمه للمشاركة الأكثر شفافية وشمولا. ومن ناحية أخرى، أشار البنك إلى ضرورة زيادة الإنتاج الغذائي لإطعام المليارين الإضافيين من سكان كوكب الأرض المتوقعين بحلول عام 2050، واقترح أن زيادة الاستثمار في الزراعة في الدول النامية مطلوب لتحسين الإنتاجية. ورفض البنك فكرة تعليق أعماله مع المستثمرين في الزراعة، زاعما أن هذا من شأنه أن يستهدف على وجه التحديد أولئك المستثمرين الأكثر احتمالا من غيرهم أن يفعلوا الصواب.
وقد يتساءل المرء ما إذا كانت الشفافية واشتراط موافقة ملاك الأراضي المحليين على البيع بمثابة الضمانة الكافية لحماية الناس الذين يعيشون في فقر. سوف يزعم أنصار السوق الحرة أنه إذا كان ملاك الأراضي المحليون راغبين في بيع أراضيهم، فإن هذا اختيارهم.
ولكن في ضوء الضغوط التي يفرضها الفقر وإغراء الأموال النقدية، فما الذي قد يضمن تمكين الناس من القيام باختيار حر مبني على الاطلاع بشأن بيع شيء مهم كحقهم في الأرض؟ فنحن في نهاية المطاف لا نسمح للفقراء ببيع كُلاهم لأعلى مزايد عليها.
لا شك أن المتشددين من أنصار السوق الحرة سوف يقولون: إننا ينبغي لنا أن نفعل هذا. ولكن على الأقل، لا بد أن يُشرَح لنا لماذا يُمنَع الناس من بيع كُلاهم، ولكنهم لا يُمنَعون من بيع الأرض التي تنتج لهم طعامهم. إن أغلب الناس قادرون على الحياة بكُلية واحدة، ولكن لا أحد يستطيع أن يعيش دون طعام.
الواقع أن البنك الدولي قد يكون بالفعل أكثر اهتماما بشأن حقوق ملاك الأرض المحليين، مقارنة بأي مستثمر أجنبي آخر. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني أن الشكاوى الـ 21 المقدمة ضد مشاريع البنك هي في الأغلب القمة المرئية لجبل ضخم من الانتهاكات لحقوق الأراضي من قِبَل مستثمرين أجانب في مشاريع زراعية في دول نامية -في حين تظل بقية الجبل محتجبة عن الأنظار، لأن الضحايا عاجزون عن الوصول إلى أي سبيل إجرائي لتقديم الشكاوى.
وأخيرا فقط بلغت إحدى هذه الحالات عِلم لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، خلصت اللجنة إلى أن ألمانيا فشلت في إلزام شركة نيومان كافي جروبي بعدم الإخلاء القسري لعدة قرى في أوغندا من أجل إفساح الطريق أمام زراعة البن على مساحات شاسعة.
ولكن عمليات الإخلاء حدثت في عام 2001، وما زال القرويون يعيشون في فقر مدقع. ولم يجدوا أي علاج لمحنتهم سواء في أوغندا أو ألمانيا، بعد انتهاك حقوقهم التي يمتلكونها وفقا لتقرير اللجنة بموجب المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، التي وقّعت عليها ألمانيا. هل يفترض إذن أن نصدق أن ملاك الأراضي يجدون معاملة أفضل من قِبَل المستثمرين الصينيين أو السعوديين؟

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي