بيوتنا رقمية
لا يكاد يخلو بيت من الهواتف الذكية التي انتقلت من مفهوم الكمالية إلى أن أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة حتى صار مفهوم الضيافة في بيوتنا توفّر شبكة اتصال عبر الإنترنت وشاحن للهاتف الذكي لا يقل أهمية من تقديم الشاي والقهوة، ومع التسارع والزخم في تناقل الأخبار والمعلومات ومتابعتها أصبحنا نرى حديثا مكررا في مجالسنا ومجموعاتنا الرقمية ناهيك عن تبادل الشائعات والأخبار المغلوطة. حيث تغيرت سلوكياتنا الاجتماعية في الآونة الأخيرة من التواصل التقليدي والاتصال الشفهي إلى أن تحولت إلى تواصل رقمي وغير حسي، ما أثر على تواصلنا مع بعضنا البعض سلوكيا واجتماعيا.
فعلى الرغم من ازدياد دائرة مستخدمي الهواتف الذكية في مجتمعنا، ما يزيد عدد الأصدقاء والمعارف إلا أنه لا تزال تبعدنا من القريب أكثر من أن تقرب لنا البعيد. فلو سلطنا الضوء على الجانب الإيجابي من هذه التقنية لا بد ألا نهمل الجانب السلبي منها، وإن كانت سهولة الحصول على المعلومة وسرعتها وقلة تكاليفها من أبرز مزايا التواصل الرقمي، فإن سلبيتها تغلب عليها تبعات اجتماعية ونفسية التي قد تهدر وقت الأغلب وترهق صحته عندما تصل إلى الإدمان في استخدامها والتعلق بها.
ومع التطور الواضح والطفرة المعلوماتية في المحتوى الرقمي الفترة الحالية التي نعيش أحداثها لحظة بلحظة وعلى الرغم من تواصلنا الرقمي المستمر طوال الساعة التي أثرت على ثقافتنا وقدراتنا اللغوية، خصوصا في الحوار فمن المخجل للأسف أن تجد البعض من الجيل الحالي وبالتحديد الشاب منهم قد لا يجيد الكتابة الإملائية الصحيحة، نظرا لاستخدامه كثيرا من الرموز والإشارات في التواصل، إضافة لتعريب اللغة الأجنبية باستخدام الرموز والأرقام أو ما يسمى - بلغة الإنترنت.
ومن المؤسف أن تجد مجالسنا تعج بالبشر بالجسد فقط، ولكن خارج السرب فكريا فكل يغني على ليلاه مسدلا عيناه في هاتفه الذكي ما خلّف الكثير من الحواجز في التواصل التقليدي على وجه الخصوص والترابط الأسري والاجتماعي على وجه العموم. وبالمقابل فقدت مجالسنا المتعة التي تعوّدنا عليها وتغيرت المفاهيم التي اعتدنا عليها وأصبحنا نفتقد جيل البساطة كما يقال لهم -جيل الطيبين- عندما كان التواصل أصعب من ذي قبل. وفي الختام، إننا في حاجة للنظر في الجانب السلبي من الاستخدام المفرط للتقنية، كما ننظر للجانب الإيجابي من استخداماتها. ولماذا لا نجرب أن نستغني عن هواتفنا الذكية لبضع من الساعات أو الأيام فهل يا ترى نستطيع الاستغناء عنها؟
كاتب متخصص في التسويق والإدارة الاستراتيجية