«الشورى» .. وإعاقة الاقتصاد بالاستثمار

كان الاستثمار الأجنبي في حين من الدهر سبة، ينظر إليه على أنه استغلال ونهب للثروات الوطنية.. غير أن عالم الاقتصاد اتسع مجالاً وتعمّق نوعية وصار الأمر يتطلب استنهاض الاقتصادات الوطنية بهذا الاستثمار الأجنبي، المشروط بإكساب البلد قيمة مضافة بنقل التقنية وتوطين الخبرة وتشغيل القوى العاملة الوطنية.
هذا يعني أن حكاية الاستثمار لا تشكل بالضرورة وبشكل مطلق امتيازاً للاقتصاد حين لا يكون الاستثمار مستوفياً شروطه في تحقيق تلك الامتيازات، بل هو حين لا يكون كذلك، لا يشكل إعاقة للنمو الاقتصادي فحسب، وإنما هجرة للثروة الوطنية من جانب وهدراً لفرصة خلق ثروة مستدامة عبر تنويع القاعدة الاقتصادية، وكذلك تفويتنا فرصة تأهيل القوى العاملة وتشغيلها، بل بث الاسترخاء والكسل والعطالة المعرفية والعملية.
ولأن تجربتنا باتت عريضة في مسألة جذب الاستثمار الأجنبي، بلغ الحماس لها حد إنشاء الهيئة العامة للاستثمار للإشراف ومتابعة إنقاذ هذه المهمة.. ولأن مستثمرين كثرا دخلوا بلادنا بأحجام وأوزان ونوعيات يتلاطم فيها ما هب بما دب، فإنه من غير الواضح إذا ما كانت الاستثمارات الأجنبية في بلادنا، شكلت ثقلاً في المكون الاقتصادي الوطني على مستوى الثروة والسلعة والخدمة والتوظيف، فما زال تشخيص عوائد الاستثمار الأجنبي ودوره غامضاً، الحديث عنه عالياً والنتائج غير معلومة على وجه الدقة والتحديد.. علماً بأن ثمة إحساس عام بأن هذا الاستثمار أقرب إلى أن يكون جعجعة لا طحناً.. خصوصاً حين يتم النظر إلى أن أهداف التنمية، منذ الخطة الثالثة كانت تتجه إلى تنويع مصادر الدخل، أي تنويع القاعدة الاقتصادية، وهو ما لم يتحقق بعد إلا في نطاق محدود تولت الدولة فيه بنفسها ريادة في منشآت كبرى مثل ''أرامكو''، ''سابك'' أو الـ 41 شركة في برنامج التوازن الاستراتيجي مما يعد حقيقة ترجمة فعلية للتنويع، كما أنها كرّست بيئة طموحة للتنويع في إنشائها للمدن الاقتصادية، وعولت على أن تركز هيئة الاستثمار جهودها لجعل هذه المدن عناقيد صناعية وتقنية توطن الإنتاجية والخبرة، إلا أن هذه المدن ما زالت في حقيقتها ومفاعيل الاستثمار فيها موزعة بين أحلام اليقظة والمنشآت الترفيهية وما شابه ذلك.
إن علاقة الاستثمار بالتنويع تتطلب حتماً خريطة طريق تفرض على المستمر إنشاء صناعات بعينها مقابل منحه امتيازات لصالحه.. وطالما أن خريطة الطريق لم توضع عليها بشكل صارم مصادر صناعة الإنتاج ونوعياتها ومددها الزمنية والإلزام بها والالتزام، فلن يكون الاستثمار إلا في اتجاه الأقل عناءً والأيسر والأكثر والأسرع ربحية سواء في أعمال تجارية أو مقاولات أو ''مولات''، أو تدشين مجالات خدمية يمكن أن يتولاها القطاع الخاص الوطني باستثماراته شاكراً ومقدراً.
هذا يعني أن جردة مطلوبة لحصاد الاستثمار الأجنبي في بلادنا لنعرف مقدار النطيحة والمتردية فيه من مقدار النوعي والمميز الذي من أجله أنشئت هيئة الاستثمار الأجنبي.. وهي جردة تستدعي تقييماً ميدانياً، وليس ورقياً وحساباً فعلياً يُشار إليه كمياً في مدخلات الناتج الإجمالي، وليس حساباً مقدراً مبنياً للمجهول.. فهل إلى ذلك من سبيل؟ أليست هذه مسؤولية هيئة الاستثمار في الأساس بأن تصدر تقرير إنجازها بشفافية؟ كما هي في الوقت نفسه، مسؤولية مجلس الشورى للتحقق مما حدث ويحدث.. ألا من مجيب؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي