مركز الملك عبد الله في فيينا .. هدية المملكة للعالم

في الشهر الماضي أهدت المملكة العربية السعودية إلى العالم، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين الديانات والثقافات، الذي تم بناؤه في قلب العاصمة النمساوية فيينا. والمركز يوجه رسائل ضد أنصار الكراهية وصدام الحضارات، ويهدف إلى نشر القيم الإنسانية وتعزيز التسامح، والسعي إلى تحقيق الأمن والسلم والاستقرار لشعوب العالم أجمع، كما يهدف المركز إلى احترام الاختلاف بين أتباع الديانات، ويشجع على التوافق بين الجماعات، ويقدم الإسلام الوسطي في صورته السلمية العادلة. ولعل أهم ما ينوي أن يقوم به مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين الديانات، هو وقف الإساءات التي طالت الأديان السماوية ورموزها، وبالذات الإساءات الأخيرة التي تجرأت على الذات الإلهية وعلى نبينا وسيد البشرية محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك يسعى المركز إلى وضع منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة تدعم أواصر الأسرة الدولية وتحمي الموروثات الحضارية والمصالح المشتركة لمصلحة عالم يسوده احترام الأديان، وتعزيز القيم الإنسانية، والحرص على التعايش السلمي المشترك.
وسيسعى المركز إلى استصدار قرار من هيئة الأمم المتحدة بتجريم المساس بالمقدسات والرموز الدينية، ورفض كل المبررات القائلة إن التجرؤ على الأديان ورموزها من باب حرية الرأي، إنما على عكس ذلك فإن التجرؤ على الأديان ورموزها يجب اعتباره اعتداء على حقوق الإنسان وحقوق البشرية جمعاء.
ويعتبر مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين الديانات والثقافات، الرد العملي المعتدل على أصحاب نظرية صدام الحضارات، وبالذات ضد برنارد لويس وصديقه صامويل هننتجتون اللذين بشرا بنظرية صدام الحضارات، وطلبا من الزعامات الغربية شن حرب صليبية واسعة ضد الإسلام والمسلمين في كل أنحاء الكرة الأرضية.
يقول برنارد لويس إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُركوا فسيفاجئون العالم الغربي المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، لذلك يرى لويس أن الحل السليم للتعامل مع دول العالم الإسلامي هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وطالب أمريكا أن تقوم بهذا الدور وأن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان البريطانية والفرنسية، ويمضي لويس موجهاً تعليماته للإدارة الأمريكية بقوله: إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك إمّا أن نضعهم تحت سيادتنا وإما نضيعهم ونبعثرهم، ولا مانع عند إعادة احتلالهم من أن تكون مهمتنا المعلنة تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، ويمضي لويس قائلاً: لا مانع من أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية - دون مجاملة ولا لين ولا هوادة - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة.
كذلك يرى لويس ضرورة تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها. ويطالب لويس بتعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً. وضرب لويس المثل بما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر في القارة الأمريكية الحمراء.
ولم يكتف لويس بالدعوة إلى تدمير الإسلام والمسلمين، بل يتمادى في حقده ويقدم روشتة إلى الغرب لتقطيع دول العالم الإسلامي، منها تفكيك دول المغرب العربي وإحلال دولة البربر محلها، وإلغاء كيانات دول الخليج وتأسيس دويلات طائفية شيعية وسنية محلها، وكذلك تقطيع العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية، ثم تقسيم سورية إلى دويلات عرقية وإلغاء الوجود الفلسطيني من الخريطة تماماً من أجل عيون إسرائيل، حتى لبنان المقسم الذي وقع فريسة تفتيت غربي سابق على يد سايكس ورفيقه بيكو، لم يسلم من تقسيمات لويس، فقد طرح لويس فكرة تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، وكذلك طال لويس إيران وأفغانستان وأوزبكستان وباكستان وفتتها إلى دويلات عرقية ومذهبية ودينية.
وفي إطار حربه على الإسلام أطلق لويس في عام 1990 مصطلح ''صراع الحضارات''، واستخدم الأكاديمي صامويل هننتجتون - مع الأسف - المصطلح في كتاب أصدره بعنوان ''صدام الحضارات'' The Crash of Civilization.
لكن السعودية من ناحيتها قدمت إلى المجتمع الدولي مشروعها الحضاري ''حوار الأديان والثقافات''، الذي انطلق في الشهر الماضي من قلب أوروبا، إلى العالم أجمع، يدعو إلى الحوار والسلام لا الحروب والصدام، مؤكداً أن الإسلام يدعو دائماً إلى الاستقرار والأمن ونبذ الحروب في كل أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي