التستر المستور والمفضوح!

صرح وزير العمل قبل عدة أيام عن وجود 200 ألف منشآة من منشآت القطاع الخاص لا يوجد فيها سعوديون! في البداية لا بد أن نعترف بأن هذه حقيقة معروفة لدى كثير من الناس، وهي تعكس كارثة في سوق العمل، وتساهلا في تطبيق الأنظمة، وسوء تخطيط من قبل أجهزة التخطيط الاقتصادي والعمراني في جميع مدننا وأحيائنا السكنية.
أغلب هذه المنشآت هي ''بقالات'' صغيرة و''مغاسل ملابس'' منتشرة في أركان كثير من المنازل داخل الأحياء السكنية، تمُتلك وتُدار من قبل عمالة وافدة بصفة غير نظامية، ولا تعود على الاقتصاد بإضافة تذكر، بل هي سبب لكثير من المشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية. فمن الناحية الصحية، هذه البقالات تقوم بتسويق بعض السلع المقلدة أو المصنعة بطرق لا تتفق مع المعايير الصحية، ويصعب مراقبة آلاف البقالات داخل الأحياء. كما أن هذه البقالات تزيد من الحركة المرورية داخل الحي وتؤدي لتجمعات الشباب بجوار المنازل، مما يسبب بعض الإزعاج للسكان. ويدخل في عداد هذه المنشآت ''المغاسل'' الكثيرة التي تعطي انطباعاً (غير دقيق) بأن المنازل السعودية خالية من أجهزة غسل المنازل.
وتفرز هذه المنشآت الصغيرة بعض المشكلات الاجتماعية كالاتكالية وعدم التنظيم في توفير مستلزمات الأسرة، إذ تقوم الاسرة بالتسوق مرات عديدة في اليوم الواحدة، علاوة على ما قد يسبب التوصيل غير المقنن للمنازل من مشكلات أخلاقية وأمنية. فبدلاً من أن تقوم الأسرة في بداية الأسبوع بتحديد احتياجاتها ومن ثم زيارة أحد محال بيع المواد الغذائية وتأمين مستلزماتها الغذائية مرة واحدة، فإنها تقوم بالتردد على مثل هذه البقالات التي لا حاجة لوجودها داخل الأحياء ولا ينبغي أن تدخل ضمن المخطط الحضري للمدن.
أما من الناحية الاقتصادية فهذه المنشآت الصغيرة تعكس التستر بوجهه المفضوح. فملكية جميع هذه المنشآت تعود للعمالة الوافدة بطريقة غير نظامية، لتكون بمثابة استرزاق مفتوح دون مردود إيجابي على الاقتصاد الوطني. هذه الأنشطة يصعب ''سعودتها'' لمردودها الضئيل وساعات العمل الطويلة. وما دام الأمر بهذا الوضوح أمام المسؤولين، نحن أمام خيارين، إما أن يوضع لها تنظيم واضح وشفاف يتيح المجال للعمالة الوافدة بمزاولة هذا النشاط وفق تنظيم واضح، أو تطبيق الأنظمة القائمة التي تمنع مزاولته بفاعلية.
وزارة العمل والمسؤولون في الأمانات والبلديات يعلمون بممارسة هذا النشاط منذ فترة طويلة، ولا يخفى عليهم وجود هذا التستر دون أن يحركوا ساكناً. لذلك أدعو هذه الجهات إلى تنظيم هذا النشاط وتأطيره بأنظمة واضحة وشفافة حتى لا يُظلم أحد، وذلك من خلال تحديد مدى الحاجة لوجود هذه المنشآت الصغيرة داخل الأحياء السكنية وتحديد مدى إضافتها للاقتصاد أو خدمتها للسكان مع مراعاة الجوانب السلبية المرتبطة بها، خاصة أن هذا التستر ''مفضوح'' وليس مستور حتى يُغض عن الطرف! ومن الأفضل - في رأيي - الحد من هذا النشاط المتفشي داخل الأحياء لأن سلبياته أكثر من إيجابياته!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي