حساسية التسعير للمنتج الوطني

يبدو أن تجارنا لم يتوقعوا حجم الخسائر التي ألمت بسوق السلع الاستهلاكية، وبالأخص قطاع التغذية، وذلك عندما تمت مقاطعة الدجاج في الأسابيع المنصرمة، حيث تجاهل أغلبيتهم الدروس السابقة للمنتجات الأخرى كالألبان، التي أثرت فيها السياسة التسعيرية بشكل مباشر نتيجة للمقاطعة، وأشعلت كما شاهدنا حرب الأسعار بين المنافسين في السوق، وهذه قد تكون من أنواع أصول قواعد اللعبة كما يعرفها الاقتصاديون. حيث تقتضي هذه الاستراتجية التنبؤ بالأزمات من خلال إدارة المخزون وتحديد الاحتياجات من مدخلات تلك المنتجات الغذائية للحفاظ والتحكم في ثبات السعر، وهذا ما حصل مع بعض الشركات التي قامت بتثبيت السعر في وقت الأزمات والبيع عند نقطة التعادل breakeven point بما يغطي التكاليف التشغيلة ومن دون هامش ربح.
حيث يتضح أن سلوك المستهلك اختلف في الآونة الأخيرة وأصبح أكثر حساسية من الناحية السعرية، خصوصا المنتجات الوطنية، نظرا لما يحظى به التاجر المحلي من تسهيلات ودعم حكومي لاستقرار الأسعار عند سقف معين. وفي المقابل لا توجد دراسات واستراتيجيات ممنهجة في التسعير يعتمد عليها قطاع الأغذية، ما عدا تعظيم الربحية التي يتبناها الأغلب دون النظر بشمولية في أبجديات التسعير من الناحية الاقتصادية والنفسية، التي تؤثر في المستهلك النهائي، ما يدفع المستهلك البحث عن بدائل مؤقتة أو دائمة حسب اتجاه السوق.
بطبيعة الحال التسعير في قطاع المواد الاستهلاكية يخضع لتذبذبات الأسعار العالمية الخارجة عن السيطرة، إما في المواد الخام أو الظروف المناخية وأسعار النفط، وذلك عندما تتداخل سلسلة من قنوات التوزيع ما يسمى (الوسيط) حتى تصل إلى المستهلك النهائي، التي بدورها ترفع السعر تدريجيا وبصورة مكررة. وهنا تكمن أهمية المخزون الاستراتيجي الذي يساعد على مواجهة تقلبات الأسعار وتحقيق الاكتفاء الذاتي لأطول فترة ممكنة لكيلا يتكرر المشهد مرة أخرى، وقد يحتاج إلى شراكة بين القطاع العام ومؤسساته والقطاع الخاص بإشراف ورقابة القطاعات العامة ذات العلاقة.
ولكيلا يعيد التاريخ نفسه نتمنى أن نرى في القريب العاجل الجمعيات التعاونية على أرض الواقع التي ستسهم في الحد من الارتفاع في الأسعار والقضاء على الجشع، والتي أثبتت نجاحها في دول مجاورة كالكويت والإمارات. في خلاصة القول، التسعير عنصر مهم وله حساسيته باعتباره مكملا لعناصر المزيج التسويقي، حيث يقتضي مراعاة المستهلك في العملية التسعيرية ناهيك عن آثاره في تكبد خسائر فادحة إذا لم يتم وضعه بناء على المستهلك والتركيز على سلوكه تجاه المنتج على وجه الخصوص والقطاع على وجه العموم، التي بوضوح تجاهلها معظم التجار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي