الدعوة إلى الخير.. والفهم المُعْتل !!

ينتابني العجب من صنيع بني وطني حين أري دعوتهم الناس إلى الخير وهي تتناقض بشكل صارخ مع ما يدعون إليه وفي ذات اللحظة، في ظاهرةٍ تدلُّ بوضوح على اعتلال في فهم المعنى الحركي للخير، ومن ثم الدعوة إليه، وأعرض لذلك مَشهدين كعيِّنة فقط:-

الأول: أحبُّ أن أذهبَ إلى عملي سيراً على قدمي، سعياً للتريض، والتقاطاً لبعض نسيم الصباح العليل، وأنا في طريقي أرى العجب على حوائط المنازل والمؤسسات والمحلات وعلى أعمدة الإنارة، إذ لا يخلو مَوضع كفٍّ من إعلان ملصق أو مكتوب، فهذا يروج لسلعة، وذاك يروج لمهنة، وهذا يدعو لمؤتمر، وذاك يدعو لانتخابات.. وهكذا، حتى بدت الشوارع وكأنها لوحة قد رُسِمَتْ بمعرفة مجنون!.

الشيء المُلفت للنظر، أن من بين تلك الإعلانات ما يدعو فيه لاصقوه أو كاتبوه إلى «وطن نظيف»، مؤيدين دعوتهم بآية قرآنية أو حديث شريف، تأصيلاً للفكرة المعروضة في الطريق العام!.. عدة أسئلة نقرت في رأسي وأنا أشاهد هذه الفوضى الجدارية في شوارعنا منها: كيف ملك أرباب هذه الأفكار المقدرة على الجمع بين الشيء ونقيضه في آن واحد، بل والتأليف بينهما في مشهد عجيب؟!، وأي ثقة في سذاجة الناس جعلتهم يعتقدون أن رسالتهم ستصل إلى أهدافها مهما كانت طريقة عرضها؟!، وأي بجاحة جعلتهم يتصورون أن دعوتهم ستجد رواجاً وهي تمضي على أشلاء ما نسخوه فيها؟!.. هذه طلاسم لا توجد إلا في رؤوس أناس قد فهموا أن الخير هو ما جادت به قرائحهم، لا ما قرره الدين والعرف والذوق العام!.

الثاني: على امتداد شواطئ نهرنا الجميل، خاصة في المناطق الشعبية والريفية، ظهرت عادة لا تقل غرابة عن سابقتها، وإنْ كانت أشد وطأة وخطورة، لأنها في الخفاء تضُر، وفي الظاهر تسُر.. هي عادة بناء المساجد الصغيرة التي تسمي بالزوايا على ردم في جسم النهر بالمحاذاة للطريق الإسفلتي، بغية حضِّ المسافرين وأهل المنطقة على الصلاة، وهذا هو الجزء الجميل الطافي، والذي يتناقض بشكل فاضح مع الجزء القبيح المطمور، والمتمثل في تشويه النهر العذب بالردم فيه، واستخدامه كوعاء للصرف الصحي عبر إنزال مواسير دورات المياه في مياهه الرقراقة، وكأن أرباب الفكرة يحثون الناس على الصلاة في الظاهر، بينما تصيب فكرتهم صحة الناس والزرع والضرع في مقتل وهم لا يشعرون.. فأي دعوة للخير تلك التي تضع صحتنا في مهبِّ الريح، حتى ولو كان بناء مسجدٍ هو فحواها؟!.

الخلاصة.. نحن أمام «شيزوفرينيا» غريبة أو «ميكافيللية» عجيبة، اعترت كل أقوالنا وأفعالنا ونحن نتعاط مع الشأن العام، إذ نُوجد لكل مُخالفة مبرراً وعذراً وفلسفة، مُدَّعين أنَّ الغاية خيراً.. ألا تدرون أيها المتشدقين أنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيباً؟!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي