عابرون في كلام عابر!

حين قال توفيق زياد للإسرائيليين:
''أهون ألف مره
أن تدخلوا الفيل بثقب إبره
وأن تصيدوا السمك المشوي في المجره
من أن تميتوا باضطهادكم وميض فكره
عشرون ألف مستحيل
في اللد والرمله والجليل''
أو حين قال:
''كيف تحييون على سطح سفينة
وتعادون محيطا من لهب؟!''
وحين قال محمود درويش في قصيدته
عابرون في كلام عابر:
''آن.. أن تنصرفوا
وتعيشوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل
ولنا الدنيا هنا والذاكره
فاخرجوا من أرضنا
من برنا من بحرنا من قمحنا من ملحنا من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكره
أيها المارون بين الكلمات العابره''.
وقال مثل ذلك سميح القاسم، سالم جبران، فدوى طوقان وغيرهم من شعراء فلسطين والشعراء العرب والمفكرين والقاصين والروائيين والمسرحيين والمخلصين من الساسة وكل الجماهير العربية.. ولم يكن ذلك يعني سوى شيء واحد هو أن ''نداء الأرض'' حالة سرمدية جنينية، دم في الدم، نبض في النبض، وجدان في الوجدان، وذاكرة في الذاكرة من المستحيل طمسها بوعد نذل كوعد بلفور، ولا بمؤتمر لصوص كمؤتمر بازل الصهيوني، ولا بكل التكالبات الغربية في الاعتراف والمساندة.. كل شيء يمكن له أن يختنق ويموت مع مرور الزمن إلا نداء الأرض فهو غير قابل للإفلات منه أو الانفلات عنه.. لأنه المعادل الموضوعي والوجداني للوجود، غير قابل حتى للخيانة.. يقول بدر شاكر السياب:
''إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟!
أيخون إنسان بلاده؟!
إن خان، معنى أن يكون.. فكيف يمكن أن يكون؟!''
أجل.. كيف؟ فما من كينونة لخيانة الوطن.. لأن ذلك ما لا معنى له، حتى ولا العدم.. ولذلك يبقى نداء الأرض مستحيلا لا يقهر بأي حال من الأحوال.. فالعرب بقوا في إسبانيا 700 عام لكنهم خرجوا، فما كانت الأرض أرضهم، وبقي العثمانيون في ديار العرب أكثر من أربعة قرون وخرجوا، وبقي الفرنسيون في الجزائر أكثر من قرن وبقي المستعمرون الغربيون في أقطار العروبة وفي إفريقيا عقودا وبقي البريطانيون في الصين وفي الهند وتعاقب على فيتنام شرق آسيويين وفرنسيون وأمريكيون وتعاقب على أفغانستان روس وأمريكيون وأوروبيون والكل خرجوا.. فهل سيكون الصهاينة استثناء في فلسطين؟! حتى لو أمعنوا في هلوستهم الأسطورية بأنهم ''شعب الله المختار''، والآخرون هم ''الأغيار'' إنهم خارجون حتما .. لا شعرا وإنما بنداء الأرض .. ليس إلا!
تلك هي الحقيقة.. وإن كان ثمنها باهظا في التضحية وفي مداها الزمني .. حقيقة ترعب الصهاينة إلى حد الفصام العقلي.. وكل ما يفعله الصهاينة هروب من قانون جاذبية نداء الأرض، إنكار (التحدي يولد الاستجابة) التي صدع بها المؤرخ توينبي. فحتى لو راهن الإسرائيليون على كل الاحتمالات في نجاحهم بغسل مخ العالم بأحقيتهم في البقاء في فلسطين وأنهم قادرون على ذلك فسوف يستحيل عليهم احتمال أن ينجح ذلك مع الفلسطينيين والعرب، فثمة نفور غريزي ونبذ جوهري لهم تقوله تضاريس فلسطين وماؤها وهواؤها وأحجارها وأشجارها وكل ما فيها وما عليها وتقوله هذه الأجيال الفلسطينية التي يتدحرج نداء الأرض فيها ككرة الثلج، يزداد ثقل النداء واندفاعه مع الزمن فيما فلسطين تسكن الأمة العربية كالأبجدية هوية في الهوية.. وستظل إسرائيل بكل حروبها السابقة أو اللاحقة تجدل فقط حبل مشنقتها بيدها.. ولا بد ذات يوم سوف يشد نداء الأرض حبل المشنقة عليها.. ولن يكون الصهاينة استثناء في التاريخ إلا في أن يعودوا من حيث كانوا شذاذا في الآفاق!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي