تساؤلات حول الرسوم على العمالة الوافدة في المملكة (1)
قامت المملكة أخيرا بفرض رسوم على العمالة الوافدة بواقع 2400 ريال سنويا، أي بمعدل 200 ريال شهريا لكل عامل، تدفعها منشآت القطاع الخاص عن كل عامل وافد في حالة زيادة أعداد العمالة الوافدة على العمالة الوطنية في المنشأة. يهدف القرار إلى إجبار منشآت القطاع الخاص المخالفة لخطط سعودة سوق العمل على التخلص من العمالة الوافدة، أو خفض نسب استخدامها من هذه العمالة لتكون في الحدود التي تتوافق مع خطة الدولة في مجال إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، وذلك تحت ضغط الرغبة في التخلص من أعباء هذه الرسوم على المنشآت.
القرار سيترتب عليه أيضا تحقيق بعض الإيرادات المالية للدولة من حصيلة هذه الرسوم، قيل إنها ستذهب لصندوق الموارد البشرية، وربما تستخدم في تغطية نفقات الدعم المالي المقدم للعاطلين عن العمل من العمالة الوطنية، وقد قدرت الإيرادات المتوقعة نتيجة تطبيق القرار بنحو 12 مليار ريال.
أثار القرار الكثير من الجدل بين مؤيد للقرار ومعارض له. جاءت أقوى الاعتراضات من جانب القطاع الخاص السعودي ممثلا في مجلس الغرف التجارية، استنادا إلى التأثيرات السلبية المتوقعة من القرار في ناتج القطاع الخاص ومعدلات نموه، باعتبار أن القرار سيترتب عليه ارتفاع غير مبرر لتكلفة المنشآت في القطاع الخاص لأن القرار لن يؤدي إلى تحسين نسبة السعودة، خصوصا في بعض القطاعات التي يصعب أن تتم فيها عمليات السعودة على نطاق واسع حاليا في ظل القيم السائدة لدى العمالة الوطنية حول مفهوم الوظيفة ونوعيتها ومتطلباتها، وأن الأثر الأساسي لهذا القرار سوف ينصب على الأسعار، حيث من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم نتيجة لارتفاع تكلفة إنتاج السلع وتقديم الخدمات نتيجة للقرار.
من الطبيعي أن تلقى مثل هذه الإجراءات مقاومة من القطاع الخاص السعودي باعتباره أحد المسؤولين عن ارتفاع مشكلة البطالة في المملكة، نظرا لطبيعة القواعد التي يستخدمها في عمليات توظيف العمالة، والتي تنحاز للعمالة الوافدة لعدة اعتبارات أهمها انخفاض التكلفة وارتفاع مستوى الإنتاجية، وسهولة التخلص من هذا النوع من العمالة إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
الحقيقة أن مثل هذا الجدل الذي يسود حول قرار فرض الرسوم يثير العديد من التساؤلات الحيوية التي تتطلب إجابة علمية وعملية واضحة حتى يمكن تقييم جدوى فرض القرار. فهل هذا هو التوقيت المناسب لفرض مثل هذه الرسوم؟ وهل يجب أن تفرض الرسوم بالقيمة نفسها على القطاعات وجميع المهن كافة؟ وهل تتمكن منشآت القطاع الخاص من نقل عبء هذه الرسوم إلى العمالة الوافدة، ومن ثم تفويت الفرصة على الدولة من فرض الرسوم؟ وهل ما تم فرضه من رسوم كاف؟ أي هل الرسوم المقترحة بموجب القرار هي الرسوم المناسبة لتحقيق الأهداف المبتغاة من ورائها برفع نسبة السعودة في القطاع الخاص من حيث المبدأ؟ وهل سيؤدي القرار إلى القضاء على ظاهرة التجارة في إقامات العمالة الوافدة التي تؤدي إلى انتشار العمالة السائبة؟ وهل بالفعل سيترتب على فرض الرسوم رفع نسبة التضخم في المملكة؟ وعلى أي شكل من أشكال العمالة ينبغي فرض الرسوم؟ وأخيرا هل من آثار جانبية لمثل هذه الرسوم؟ هذه التساؤلات هي في واقع الأمر تساؤلات فنية، ولسوء الحظ تمت الإجابة عن بعضها ولكن بصورة غير علمية.
منذ فترة والحديث يتزايد عن مشكلة البطالة بين المواطنين، خصوصا من الإناث، اللاتي تتزايد أعدادهن بصورة مطردة على الرغم من النمو الذي يحققه الاقتصاد السعودي، فمن الواضح أن نمط النمو الحالي للاقتصاد السعودي لا يؤدي إلى فتح فرص التوظيف المناسبة للعمالة الوطنية، في ظل الفروق الجوهرية في تكلفة الاستخدام بين العمالة الوطنية والوافدة، وفي ضوء تصاعد معدلات البطالة بين الداخلين الجدد لسوق العمل فإن رفع تكلفة العمالة الوافدة على القطاع الخاص يعتبر إحدى الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة لإجبار القطاع الخاص على توظيف العمالة السعودية. السياسة إذًا من حيث المبدأ تعد سياسة مناسبة لمواجهة ظاهرة، ولكن فرض رسوم محددة على جميع فئات العمالة الوافدة والعاملة في جميع القطاعات يعتبر إجراء خاطئا للأسباب التالية:
1 ـــ يجب عدم فرض الرسوم نفسها على القطاعات الإنتاجية كافة ولا على جميع المهن في القطاع الخاص، فهناك قطاعات ومهن ستظل العمالة الوافدة مسيطرة عليها لفترة طويلة من الزمن شئنا أم أبينا، حتى تتكيف آليات سوق العمل الوطني وتتغير ثقافة المواطن نحو طبيعة المهنة المناسبة له كعامل. هذه النظرة نحو طبيعة العمل المناسب للمواطن لا تتفرد بها قوة العمل في المملكة، وإنما تعد أحد القواسم المشتركة بين المواطنين في دول مجلس التعاون كافة، حيث لا يتصور المواطن نفسه سوى على كرسي خلف مكتب في مؤسسة حكومية، ولا يتخيل نفسه إطلاقا سباكا أو نجارا أو جامعا للقمامة أو غير ذلك من المهن التي لا تقبل عليها العمالة الوطنية، على الرغم من أنه لا عيب يعيب أي مهنة ولا يوجد ما يحط من كرامة شاغلها طالما أنه يؤدي عملا شريفا، مثل هذه المهن نراها مسيطرا عليها بالكامل من جانب العمالة الوافدة ولا يوجد عمالة وطنية تعمل في هذه المهن، وسيظل الوضع كذلك لعقود قادمة حتى تجبر ضغوط سوق العمل الجميع على القبول بأي مهنة.
2 ـــ أن بعض المهن قد لا يتوافر عرض مناسب من العمالة الوطنية المؤهلة لشغلها في القطاع الخاص، خصوصا تلك التي تتطلب مستويات مرتفعة من المهارة والتدريب، وهذه ستحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم تدبير العرض المناسب من العمالة الوطنية لملء هذه المهن من الكوادر الوطنية المؤهلة التأهيل المناسب، وحتى يتم ذلك، فإن فرض الرسوم على العمالة الوافدة، أيا كان مستواها، لن يترتب عليه تحسين فرص توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
3 ـــ أن تحديد المهن أو القطاعات التي يجب أن تفرض الرسوم على العمالة الوافدة بها لا بد أن يرتبط بدراسات دقيقة لاختلالات سوق العمل وأين تتركز هذه الاختلالات في صورة الفوائض في عرض العمالة الوطنية حسب القطاع والمهن، حيث تفرض الرسوم على القطاعات والمهن التي تواجه فائضا في عرض العمالة الوطنية، وأن تتدرج هذه الرسوم حسب مستويات الفوائض من العمالة الوطنية، فكلما ارتفع فائض العمالة الوطنية في القطاع ازداد الرسم المفروض على العمالة الوافدة والعكس، وأن يوقف فرض الرسوم على المهن التي لا يوجد عليها طلب حاليا في صفوف العمالة الوطنية التي تعاني فائضا في العرض.
4 ـــ عندما تفرض هذه الرسوم ينبغي أن تفرض عند مستويات تجعل تكلفة استخدام العامل الوافد مرتفعة إلى الحد الذي يجبر القطاع الخاص على الاستغناء عن هذه العمالة وتفضيل العمالة الوطنية بدلا من ذلك، وهو ما يتطلب أن تكون هذه الرسوم مرتفعة إلى الحد الذي يلغي أية فروق بين مستويات أجور العامل الوافد والعامل المواطن، وبالنظر إلى فرض رسم يساوي 200 ريالا شهريا على جميع العاملين في القطاع الخاص، بغض النظر عن القطاع الذي يعملون به أو المهنة التي يشغلونها، قد لا يمثل الرسم المناسب لتحقيق الهدف من هذه الرسوم، فالكثير من المنشآت، خاصة المنشآت الكبيرة، يمكنها أن تتحمل هذا المستوى من الرسوم شهريا عن كل عامل دون أن يترتب على ذلك تأثير واضح في مستويات تكاليفها أو ربحيتها، كما أن هناك الكثير من المنشآت الصغيرة التي يمكنها الاستمرار في الاحتفاظ بالعامل الوافد من خلال الاتفاق بصورة غير رسمية مع هذا العامل على أن يتحمل هذا الرسم أو أكبر نسبة منه في سبيل استمراره في العمل بالمؤسسة وعدم استبداله بموظف مواطن، ومن المؤكد أن العامل الوافد سيرحب بمثل هذا الاتفاق.
5 ـــ أن هذه الرسوم لا بد أن تتسم بالمرونة، حيث يمكن رفعها أو تخفيضها وفقا للظروف التي يمر بها سوق العمل في المملكة، حيث ترتفع قيمة هذه الرسوم المفروضة مع تصاعد الضغوط في سوق العمل وزيادة نسبة البطالة بين المواطنين في المهن المختلفة، وتخفض أو يوقف تحصيلها في الأحوال التي تواجه نقصا واضحا من العرض من العمالة الوطنية اللازمة لشغل هذه المهن.
باختصار يجب ألا تفرض هذه الرسوم بقيمة ثابتة على جميع أشكال العمالة الوافدة، حيث ينبغي أن تختلف هذه الرسوم وفقا لدرجة المهارة، وطبيعة المهن التي يعاني المواطنون فيها البطالة، وطبيعة الضغوط الحالية والمستقبلية في سوق العمل، وأن تستند الرسوم إلى دراسات دقيقة لسوق العمل لتحديد الفئات التي سيتطلب الأمر فرض رسوم عليها من تلك التي يجب ألا تفرض عليها رسوم. في الحلقة القادمة من هذا المقال نواصل مناقشة التساؤلات حول رسوم العمالة الوافدة في المملكة ـــ إن شاء الله.