أرجوك يا أهلي..

أؤمن أن النهائيات الذهبية في كرة القدم تحتاج إلى نسيان ما قبلها والعمل وفق خطة مستقلة لا تُربط بما قبلها، تتسم بالخبث والمكر والدهاء والشجاعة والطموح. وأزعم أن الخبث نوع من الذكاء لا يستهدف الانتصار فقط، بل إيقاع الخصم في شر أفعاله واستغلال أخطائه خير استغلال.
في عام 1982, يقول شيبان الكرة إن إيطاليا اشتعلت مكرا ودهاء، بقيادة مدربها العجوز اينزو بيرزوت، فأسقطت المرشحتين ألمانيا والبرازيل بصاحب السوابق الشجاع باولو روسي الخارج للتو من السجن.
في الإطار المحلي، ذهب النصر عام 1989 بمجموعته المرعبة إلى جدة وأعلن رئيسه الراحل عبد الرحمن بن سعود أنه ذاهب لضم كأس الملك إلى الدوري ذلك العام، وأنه سيطوف بالكعبة شكرا واحتفالا بالدرع والكأس، لكن الداهية كاندينو سلم له المهاجمون ولدغ الأصفر بالمدافعين وبثلاثة في مكر بالغ أسقط النصر المرعب آنذاك بنجومه الأفذاذ ماجد، محيسن، الهريفي، يوسف والمطلق.
عن تلك الليلة التي لا تنسى وبعد سنوات سألت نجما هلاليا كبيرا: كيف كان الحال ليلة المباراة؟ قال لي: قد لا تصدق لو قلت لك إني أحرقت علبة سجائر كاملة ليلتها من التوتر والتفكير، ويكمل: كنت أفكر أنا وزميلي في الغرفة، إن نجحنا في إيقاف ماجد من سيوقف الهريفي ومحيسن ويوسف؟ ويتابع: وحده كاندينو بمكره وخبثه كان يعرف، أحسن تعبئتنا بالجرأة والشجاعة والطموح فمزقنا كل خطط الاحتفال الصفراء.
بعد عشرة أعوام، وبمكر مماثل، أعاد النصر الثلاثة لمرمى الهلال، في الملعب ذاته، وفي مناسبة ذهبية شبيهة، وبأسلحة تفوق مماثله. الحال ذاته، كان في كوريا 2004، لقن الجداوي الآخر الكوريين درسا لا ينسى، يومها كنت في المدرجات بين الحضور، أقفز فرحا، والتفت إلى المجاورين مفتخرا: هؤلاء أبناء بلادي.
على الورق، يتفوق أولسان على الأهلي في كل شيء، وفي الميدان تسقط التحليلات المسبقة ويبقى الحسم للأداء المقدم على العشب الأخضر، مدعوما بعوامل أبرزها الطموح، الذكاء، الشجاعة.
قد يبرز الحظ في ترجيح كفة على أخرى، وذاك عامل لا يستند إلى تفوق فني، وعلى الأهلاويين الإيمان بالحكمة القائلة: "الحظ يفضل الشجعان"، فكونوا شجعانا ينقضون على الخصم بروح الواثق، الذي يعي جيدا أنه يحمل آمال ملايين يريدون أن يقولوا لآسيا كلها: نحن السعوديون يا آسيا فاخضعي لأسيادك وإن جار عليهم الزمن الكروي لأسباب لا تتعلق بالموهبة والقدرات.
نريد رجالا في الملعب يا أهلي، يتسلحون بطموح يلامس السحاب، يكون مصداقا لقول إيماوند بروك: الطموح يستطيع أن يصل إلى أي ارتفاع. ويؤكدون أن أبناء بلادنا رجال ذوو عزم وطموح لا يلين، تذكروا يا أبناء بلادنا آباءكم الأوائل، الذين أخضعوا البطولات الآسيوية لسطوتهم على مستوى المنتخبات والفرق، وكونوا غدا كما كانوا.
نريد فريقا جريئا، ذكيا، فالجرأة من دون ذكاء لا تساوي شيئا كما يقول الفيلسوف يوربيديس، والطموح هو جذوة التفوق في كل شيء، ومن لا يملكه فهو ميت وسط الأحياء.
لا أعرف هل يقرأ لي الأهلاويون الآن، أم لا تصل حروفي لهم، لكني سأكتب لهم بقلب المحب، المنتظر، المترقب لنصرهم، وأزيدهم: أنني سئمت كلمات السخرية واستغلال كبوة كرتنا ممن أعايشهم هنا بعيدا عن وطننا، أرجوكم كونوا شجعانا في الملعب واقتصوا لي منهم، أريد أن أقول بملء صوتي وبصري وجوارحي: بطل آسيا من بلادي وليصمت الشامتون، فنحن ما زلنا الأفضل.
أرجوك يا تيسير، يا بصاص، يا معتز، يا معيوف، يا عقيل، يا مُر، يا أهلي، يا أخضر، يا أبناء بلادي، أرجوكم افعلوها من أجلي، هي تسعون دقيقة فقط لا تسمحوا للكوريين ومن استكور معهم اليوم أن يزيد جراحي، وجراح كرتنا. أرجوك يا أهلي افعلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي