هل حان وقت الإغلاق المالي؟

تُرى هل الآن وقت تقليص العجز والمديونية وضبط الأوضاع المالية أم هو وقت التحفيز المالي؟ وهل يتعين على الحكومات أن تخفض الإنفاق أم تزيده؟ مرة أخرى تصبح مثل هذه المسائل موضع خلاف بين صناع السياسات وخبراء الاقتصاد. فالمواطنون، الذين قيل لهم أثناء الفترة 2008 ـــ 2009 إن الضرورة تستلزم تحفيز الاقتصاد، ثم قيل لهم في الفترة 2010 ـــ 2011 إن الوقت قد حان لخفض الإنفاق، أصبحوا في حالة مبررة من الارتباك. فهل تنعكس الأولويات مرة أخرى؟
في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي في تشرين الأول (أكتوبر)، تسبب كبير خبراء الاقتصاد لدى الصندوق أوليفييه بلانشار في تأجيج الخلاف عندما أشار إلى أن الحكومات كانت في الآونة الأخيرة ميالة إلى التقليل من شأن الآثار السلبية التي يخلفها ضبط الأوضاع المالية على النمو. فقد افترضت الحكومات أن خفض الإنفاق العام بمقدار دولار يعني خفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 50 سنتاً في الأمد القريب؛ ووفقاً لبلانشار فإن النتيجة الحقيقية في الظروف الحالية هي انحدار يراوح مقداره بين 0.90 و1.7 دولار. وهي فجوة كبيرة، ولكنها تشكل أيضاً نتيجة محيرة: فكيف تبلغ درجة عدم اليقين هذا الحد؟
وعلى النقيض مما قد توحي به هذه الفوارق، فإن خبراء الاقتصاد يعرفون الكثير حقاً عن العواقب المترتبة على السياسة المالية، أو على الأقل يعرفون عنها الآن أكثر كثيراً مما كانوا يعرفون عنها من قبل. فحتى ثمانينيات القرن الماضي، كان من المفترض عادة أن ما يطلق عليه مسمى "المضاعف" ـــ نسبة التغيير في الناتج المحلي الإجمالي إلى التغيير في الإنفاق الحكومي ـــ كان مستقراً وأكبر من واحد صحيح. وكان من المعتقد أن خفض الإنفاق بقيمة دولار واحد من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من دولار، أي أن خفض الإنفاق المالي كان مكلفاً من الناحية الاقتصادية (في حين كان التحفيز فعّالا في المقابل).
إن خبراء الاقتصاد يميلون كثيراً إلى الانقسام، ولكنهم أيضاً محققون مثابرون، لذا فإن هذا الجدال كان سبباً في الحض على إجراء أبحاث جديدة حول التأثيرات المترتبة على خفض الإنفاق في الموازنة. وتم تطوير طرق جديدة لقياس هذه التأثيرات؛ كما ابتكرت أساليب جديدة لحساب احتمالات اختلاف المضاعف مع الوقت؛ وتم جمع بيانات جديدة للمساعدة في اتخاذ قرارات فعلية أفضل فيما يتصل بالميزانية.
ومن المرجح أن تكون التأثيرات المعاكسة في النمو نتيجة لخفض الإنفاق في الأمد القريب أكبر عندما يكون الاقتصاد في ركود بالفعل، حيث يخفض الشركاء التجاريون أيضاً إنفاقهم أو يزيدون الضرائب، فضلاً عن ذلك فإن أسعار فائدة البنك المركزي قريبة من الصفر بالفعل، ولا تشعر الأسواق بمخاوف خاصة بشأن قدرة الدولة على سداد ديونها. وفي مثل هذه الظروف، كما كانت الحال في عام 2009، فإن المضاعف قد يقترب من اثنين.
لذا فإن الوصفة الطبيعة لصانعي السياسات تتألف من أربعة عناصر:
ـــ كلما أصبحت استدامة التمويل العام على المحك (وهو ما يحدث إلى حد كبير في كل مكان من العالم المتقدم، باستثناء أستراليا، وكندا، وقِلة من دول شمال أوروبا، بما في ذلك ألمانيا)، فيتعين على الحكومات أن تستمر في ضبط الأوضاع المالية، ولكن بوتيرة معتدلة.
ـــ ينبغي للحكومات ألا تزيد من جهود ضبط الأوضاع المالية لمجرد عمل التباطؤ على تقليص عائدات الضرائب، وينبغي لها ألا تركز على أهداف العجز الرئيسة للعام التالي.
ـــ في ظروف الإجهاد المالي الشديد، لا تملك الحكومات أن تعمل على إبطاء وتيرة ضبط الأوضاع المالية، ولكن يتعين عليها أن تركز قدر الإمكان على إصلاحات الإنفاق التي تعمل بشكل جدير بالثقة على تحسين التوقعات في حين تخلف تأثيرات سلبية محدودة في الأمد القريب.
ـــ وأخيرا، يتعين على المسؤولين في كل مكان أن يستثمروا في المؤسسات التي تساعد في إقناع الأسواق بالتزامهم باستدامة التمويل العام.
في الظروف الخطرة، ينبغي للمسؤولين ألا يعتمدوا على السيناريوهات الوردية ويأملوا أن يصدقهم الناس. بل يتعين عليهم بدلاً من ذلك أن ينقلوا بوضوح للأسواق والمواطنين كيف يفكرون ويدبرون وماذا يعتزمون.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي