المقولة الغامضة في اقتصادنا

ربما لا يتحتم أن نقول ''اقتصادنا'' فقط دون أن نفسر ما نقصده.. لأنه من الطبيعي أن ينصرف النظر حين سماع أو رؤية كلمة ''اقتصاد'' إلى ما هو قائم منجز أو في سبيله للإنجاز، من مشاريع اقتصادية، أي عن اقتصاد متحقق أو يتحقق أو على مسار التحقق، غير أننا في العنوان أعلاه، ونحن نضع كل ما سبق في الاعتبار، نشير بشكل أكثر تحديدا إلى المعنى المقصود بمقولة غامضة تتردّد كثيرا في خطط التنمية وأدبيات الاقتصاد السعودي في منتدياته وبحوثه ومقالاته وهي مقولة ''تنويع القاعدة الاقتصادية'' التي تم الزج بها منذ الخطة الخامسة وما زالت تواصل تبخترها نحو الخطة العاشرة دون أن يقول لنا أحد ماذا تعني بالضبط هذه المقولة؟!
ينبغي التسليم بأن التعبير عن ماذا يقصد بتنويع الاقتصاد كان يطرح بشكل إجمالي يستطرد بالقول البديهي عن خلق قطاع صناعي متنوع الأنشطة والإنتاج مع إضافات إنشائية عن مجال التقنية واقتصاد المعرفة وريادة في الإبداع والاختراع والابتكار والتأكيد على أن ذلك كله من أجل تقليل الاعتماد على النفط أو الحد منه والانعطاف باقتصادنا من كونه قائماً على ريع النفط إلى اقتصاد قائم على تعبئة الموارد الاقتصادية، أي القطاع الإنتاجي غير النفطي.. نقول: نعم.. ونعم.. قيل هذا وتم استهلاك القول فيه بتدوير الكلام ذاته بصيغ مختلفة ومنابر مختلفة ومناسبات وأوقات مختلفة لكن، مع الأسف، بقيت مقولة تنويع القاعدة الاقتصادية غامضة.. تحتاج إلى إعراب!!
لو فتحنا صفحات وثائق خطط التنمية فلن نجد سوى عزف لغوي يتكرّر بإيراده المقولة دون أن تضع لنا هذه الخطط مؤشرات هذا التنويع والمدى الذي ستشغله قاعدة التنويع وحجم هذا التنويع ومجالاته ومواقعه وعلاقاته بهيكل الاقتصاد الوطني وبمكونات الثروة الوطنية الطبيعية وغير الطبيعية.. فلا وجود مثلا لخريطة طريق محددة المحطات الأساسية لهذا التنويع.. وكذلك علاقة هذا التوق للتنويع بالاستراتيجيات والسياسات الوطنية للصناعة ولتقنية المعلومات ودور القطاعين الحكومي والخاص وموقع الدور القيادي للدولة في إنشاء هذه القاعدة والموقع المفترض للقطاع الخاص!
لقد بقيت مقولة تنويع القاعدة الاقتصادية ترن وتدوي لكن لم يتم إماطة اللثام عن سرها، بل بقيت مغلقة معلقة في فضاء التخمين والتنظير ولم يتم قط إنزالها من فضاءات التهيؤات والتصورات إلى حرارة الميدان.. بمعنى أن المقولة لم تتم ترجمتها علمياً فقرة فقرة بالاسم والصفة والجدوى والموقع والدور وكيف ستنفذ ومَن سيتولى المهام؟ ومتى نبدأ؟ ولماذا لم نبدأ؟ بل.. لماذا لم تصدر لنا - مثلاً - وزارة الاقتصاد والتخطيط، أو المجلس الاقتصادي الأعلى ''مدونة'' حولها تتضمن عناصر هذا التنويع ومؤشراته ومجالاته وآليات تنفيذه والجهات المسؤولة عن ذلك والمدى الزمني وما المتوقع حدوثه من تحول في أداء الاقتصاد الوطني؟ وإلى أين يمكن أن يرتفع معدل النمو؟ وهل سيكفل هذا الأداء وهذا النمو تحققاً فعلياً للتنوع في قاعدتنا الاقتصادية بحيث يصبح معها النفط نسياً منسياً؟!
إنها أسئلة.. قبلها أسئلة وبعدها أسئلة تدفقت وتتدفق في الأذهان مع كل مرة ترد فيها مقولة تنوع القاعدة الاقتصادية كتابة أو قولاً.. وستبقى الأسئلة أكثر إلحاحاً، بل سيزداد الحرج فيها، خصوصاً أن التقارير والدراسات الاقتصادية العالمية قرعت جرس إنذار استهلاكنا لنفطنا وأكدت أننا في مدى العقدين المقبلين، سنضطر إلى استيراد حاجتنا من النفط.. ومع سوء هذه النبوءة فليست علة المسألة فقط في اللجوء إلى الاستيراد للطاقة من الخارج، بل هل سنتمكن من ذلك طالما أن مقولة تنويع القاعدة الاقتصادية ما زالت تستصرخنا لكي نجعلها ملاذاً لاقتصاد غير ناضب.. ولم نفعل بعد.. بل لن يكون ذلك سوى بإعرابها إلى برامج ومشاريع بأقدام تمشي على الأرض وليس بزركشتها بأحلام يقظة الكلمات المرسلة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي