الشفافية علاج لكثير من الأمراض
تعتبر صورة يد زوجة وليام رونتجين الألماني مكتشف أشعة إكس التي ظهر بها خاتم الزواج مع عظام اليد أول صورة في التاريخ التقطت بواسطة مسرع الإلكترونات، وأبهرت الناس هذه الصورة ولم يصدق أحد أنها صورة حقيقية إلا بعد أن يرى صورة لعظامه بعد أن تلتقط له صورة مماثلة، وأصبحت أسلوبا ينتهجه الكثيرون للمرح والدعابة، ولم يخطر ببال أحدهم في ذاك الوقت ما سيقدمه هذا الاكتشاف للبشرية، وبعد تدخل الطب واستخدامه المكثف لأشعة إكس، خصوصا في طب الأسنان ظهر الكثير من المضار على العينين والأسنان والجلد، حيث تم تقنين استخدامها للأغراض الطبية واستخدمت أدوات لوقاية العينين والجسم من آثارها السلبية.
ومن ثم توالت الاكتشافات لمختلف أطياف الإشعاع الكهرومغناطيسي التي تقع فوق أو تحت الطيف المغناطيسي المرئي لتستخدم في الكثير من المجالات الحضارية للإنسان، التي بدأت بأشعة إكس ووصلت إلى الليزر ولن تنتهي عندها بالطبع.
ومع ما قدمته هذه الاكتشافات العلمية من سبر لجسم الإنسان لتتم معالجته بالطريقة المثلى، ولينعم بخدمات صحية ترقى إلى مستوى الوصف ولم تحدث في التاريخ، فإن المجتمع المدني في أمس الحاجة إلى إكسير من أطياف مختلفة لترسيخ النزاهة والقضاء على أمراض الفساد الإداري والمالي التي ربما تقوض الحضارة المدنية التي يعيش فيها الإنسان مع بداية القرن الحادي والعشرين، وتتمثل ذلك في استخدام آليات للشفافية لمراقبة الأداء العام والخاص والكشف عن بؤر الفساد في بداياتها واتخاذ العلاج المناسب لها، وهذه الأدوات ربما وفي أغلب الأحيان لا تحتاج إلى مسرع إلكترونيات أو مجال مغناطيسي لتظهر الصورة، لكنها أدوات تبدأ من الحصانة الدينية، التي حث عليها ديننا الشريف، مع تفعيل أدوات الرقابة كالجمعيات العمومية في الشركات وتنشيط أسلوب (من أين لك هذا؟) في المجتمع مع استخدام للسجل الائتماني والأخلاقي لكل شخص يولى على ثغر من ثغور المسلمين، حيث نستطيع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حيث لن نجد مزور شهادات في منصب رفيع أو في مكان آخر حاملا مبضع طبيب.
ولعلنا نستبشر خيرا في هيئة مكافحة الفساد، لتكون مسرعا لإلكترونيات فحص المجتمع المدني وبطرق فاعلة جديدة مع تنشيط للأدوات الموجودة حاليا مثل حوكمة الشركات ومبادئ الشفافية في التقارير الفصلية والسنوية واستخدام القسم الإداري على ميثاق شرف المهنة من قبل الموظف في القطاعين العام والخاص صغيرا كان أم كبيرا قبل توليه مهام وظيفته.
ولا أريد أن أحرج أحدا، لكن أهم حلقات ضبط إيقاع المجتمع المدني هي حلقة الثواب والعقاب التي تعد لدينا هرما مائلا إن لم يكن مقلوبا، فمع العدد الهائل من المخالفات التي تظهر على الطيف المرئي، ولا نحتاج إلى أجهزة خاصة لاكتشافها، فإننا لا نرى مساءلة ولا تشهيرا بمن يخالف، وذلك لردع من يتحفز للمخالفة، حيث تستهويه فيه مسألة المثال الذي أمامه، الذي لم يكافأ، كما هو حاصل الآن، بل سيرى أنه تعرض للجزاء والتشهير، ولن يسعده أن يكون في وضع مشابه لوضعه الماثل أمامه، بل سينحو منحى الشخص المثالي النزيه الذي يؤدي عمله بإخلاص، خصوصا مع برامج مكافأة عملية لكل مسؤول نزيه.
ويظل مبدأ ''الوقاية خير من العلاج'' العلم البارز في كل أمور الحياة، الذي تترتب عليه مواضيع كثيرة، التي من أهمها التعليم الجيد والمثال الحسن والتلمذة عليه من قريب أو بعيد وإبعاد المرضى الاجتماعيين، الذين لا يرجى برؤهم عن هامات مصالح المواطنين. ونسأل الله السداد والتوفيق للمسؤولين في هذا البلد الأمين.