هل يفكر العرب في المستقبل؟

كي نعي معنى أي مفهوم علينا تعريفه. من الصعوبة بمكان التعامل مع أي مفهوم إنساني - سياسي واقتصادي وديني واجتماعي وعلمي - إن لم يكن باستطاعتنا تحديد معناه من خلال تعريف مختصر. والوضوح والشفافية غاية في الأهمية بالنسبة للتعريف من الناحيتين النظرية والتطبيقية. الغموض والضبابية في التعريف تصيب أي مفهوم بشري بالشلل وتجعل تطبيقه على أرض الواقع أمرا عسيرا.
وعندما نتحدث عن المستقبل، فلا بد أن يكون في أذهاننا تعريف واضح له. وأوضح تعريف للمستقبل وضعه إخصائيون من شمال أوروبا - الدول الاسكندنافية - فيه جعلوا من هذا المفهوم أمراً حسياً ومادياً - أي لم يعد المستقبل أمراً تجريدياً ونظرياً فقط.
ولا علم لي إن كانت لدى الدول العربية تعريفات خاصّة لمفاهيم ذات علاقة مباشرة بمستقبل شعوبها اقتصادياً وثقافياً وصناعياً وديموغرافياً واجتماعياً، إلا أن الدول الاسكندنافية وغيرها كثير لها خطط مستقبلية تستطيع من خلالها قراءة ما قد يحدث لك كمواطن وأنت تسكن الحي الفلاني بعد عشرات السنين من الآن.
وحتى في مدينتنا الصغيرة - نحو 100 ألف نسمة - بإمكان المواطن العادي الاطلاع على ما سيكون عليه الحال بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أو عشر وحتى 50 سنة. وهناك قسم خاص في المجلس البلدي فيه باحثون وعلماء ومخططون يضعون اللمسات من خلال مجسمات وإحصائيات تخص نواحي الحياة كافة في هذه المدينة.
وقد أعدوا فيلماً خاصاً يعرضونه في كل المؤسسات من مدارس وكليات، يشرحون فيه توقعاتهم لما ستكون عليه مدينتهم ويطلبون من المواطنين الاقتراحات والتوصيات.
ومنذ قدومي إلى هذه المدينة قبل أكثر من عقد من الزمان وأنا منبهر بفكرة التخطيط للمستقبل وأراقب عمل هذه القسم البلدي من كثب، وأنظر حولي وأرى بأم عيني كيف أن خططه المستقبلية يتم تطبيقها على أرض الواقع. فعدد المساكن والشقق التي تجهز مطابق تقريباً لما هو مخطط له ومثلها المدارس وعدد التلاميذ وعدد سكان المحافظة وتوقعات زيادة السكان والخدمات العامة بمراحلها وأصنافها كافة.
والخطط المستقبلية تشير إلى التطور الصناعي والزراعي والعلمي وتقدم خدمات استشارية مجانية لأصحاب الصناعة والمستثمرين للتوجّه صوب الصناعات التصديرية وتمنح تنبؤات حول العمالة بجميع أشكالها الحرفية والمهنية والماهرة وغير الماهرة ونسب البطالة المتوقعة.
وما أثار انتباهي كان أحد المجسمات يظهر فيه ما ستكون عليه الخريطة الدينية للمدينة - عدد الكنائس والجوامع والحسينيات وغيرها - وعدد أتباع الديانات المختلفة. ولأنني مهتم جداً بالحي الذي أعيش فيه كنت أراقب دائماً ما سيكون عليه حاله عند بلوغي الـ 60 من عمري. وهأنذا أرى أن المنطقة قد تطورت بشكل مذهل مع مجمعات سكنية راقية ومسرح جديد فيه كل ما بلغه العالم من تقنيات وبناية جديدة للمكتبة العامة، إضافة إلى أسواق عامة حديثة - تحت الإنشاء - ومدارس وروضات، ولا يزال سماء المدينة متلبدا بالرافعات في حملة إنشائية مذهلة وفي بلد فائق التطور مثل السويد.
والأحياء الصناعية حدث فيها من النمو والتطور والتحديث ما حسبته خارج الخيال عند قدومي لهذه المدينة. وكل هذا النمو والتطور الهائل في هذه المدينة ولم ألاحظ شركة أجنبية واحدة ولا عاملاً أجنبياً واحداً.
البلدان العربية جُل اهتمامها ينصب في مسائل الحكم والسياسة داخلية كانت أو خارجية، وإن كانت غنية توجّه أموالها صوب استثمارات أجنبية أو تكديس الأموال في بنوك أجنبية. كنت أتمنى أن أرى خططاً مستقبلية واقعية للتخلص من العمالة الأجنبية في الخليج العربي وإحداث نهضة صناعية وزراعية وثقافية وتربوية وتعليمية في الدول العربية أساسها توطين العلم والمعرفة والتكنولوجيا بجميع أشكالها ومراحلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي