الحقوق الفكرية في الجامعات السعودية
يلاحظ الدارسون أو الذين سبقت لهم الدراسة في الجامعات البريطانية حرص أعضاء هيئة التدريس على تشجيع الطلاب على الإنجاز والاستمرار في دعمهم وتعريفهم على حقوقهم وواجباتهم كطلاب. ومن الملاحظ أيضا أن الجامعات تتشدد دائما على تعريف الطلاب المبتعثين بمعنى وأهمية الحقوق الفكرية وكيفية تجاوز السرقات الفكرية وحقوق الغير وتخضع أغلب أبحاثهم وأعمالهم لبرنامج يكشف نسبة الانتحال أو النسخ أو ربما السرقات مع تشديد العقوبات على الطلاب المقصرين في الإشارة إلى مصادر معلوماتهم والمنتحلين لأفكار الغير. قد يكون هذا الاهتمام، الذي يبدو لبعض الطلاب أنه مبالغ فيه، ناتج عن تجاوزات لاحظتها الجامعات المضيفة للطلبة للمخالفات المتكررة وكثرة ضحايا الانتحال وفي مراحل متأخرة من الدراسة مثل مرحلة الامتحان في رسائل الماجستير أو الدكتوراة. ومع أن هذه الجامعات تبدي تعاطفا مع هؤلاء الطلاب الذبن لم يحظوا بغرس هذه الأفكار الحضارية والممارسات الأكاديمية الحديثة خلال دراستهم الثانوية والجامعية في بلدانهم النامية غالبا إلا أنها لا تتساهل في هذه المخالفات التي تصنف على أنها تخالف الممارسات الجيدة للأخلاق الأكاديمية. وإضافة إلى حرص هذه المؤسسات التعليمية العالمية على تخريج طلاب قادرين على حمل اسمها، لعلمها أنه كثيرا ما يشار إلى السير الذاتية للمنتحلين بما في ذلك مؤسسات تأهيلهم الأكاديمي. تنظر الجامعات الأجنبية للانتحال على أنه انتهاك أكاديمي لكرامة الإنسان وتعدٍ على إنسانيته يجب عدم التهاون فيها.
قد يعتمد البعض على أن تدريس علوم الدين والشريعة وغرسه في الطلاب في كل المراحل الدراسية، إضافة إلى بعض المقررات في التعليم العالي، كفيل بإكسابهم القدرة على التمييز، وأن الخوف من الله هو الرادع الأقوى عن استخدام أفكار الغيرمن دون الإشارة إلى مصدرها، وهو ما يعني سرقتها من خلال نسبها إلى أنفسهم. ومن المعلوم أن تعاليم القرآن واضحة في هذا الخصوص كما ورد في الآية 188 من سورة آل عمران'' لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ''، والذي يعني أن العذاب من الله - سبحانه وتعالى - يشمل من يحب أن يُحمد بما لم يفعل. لكن - مع الأسف - يحاول أن يقنع الكثير من منتحلي الحقوق الفكرية للغير الآخرين بالأعذار والتبريرات غير المنطقية بهدف إجازة هذة السرقات الفكرية. ما يثير التساؤل حول انعدام وجود مصدر أو مقرر واضح يهدف إلى تعليم الطلاب في الجامعات والمدارس السعودية بأهمية الأمر وتوعيتهم بأهمية البعد عن جميع الأفعال والأعذار التي يختلقها البعض. كما هو مطبق على المفكرين والأدباء في المنظمات غير التعليمية الذين يخضعون لأنظمة الإدارة العامة لحقوق المؤلف التي نشأت في عام ١٤٢٢هـ و تضم عدة إدارات تعنى بحماية المصنفات الأدبية والعلمية والرقابة والتفتيش. تقوم الادارة باستقبال الشكاوى ونشر المطبوعات التوعوية، كما تقوم بالبت في قضايا الاختلاس والفصل بين المتخاصمين وتداولت وسائل الإعلام المختلفة بعضا من هذه القضايا.
مثل هذا الإجراء من التقنين والتقعيد يحد من أن يتعدى أحد على حقوق الآخر سواء كان طالبا أو عالما أو أديبا أو مفكرا أو محللا سياسيا أو اقتصاديا. وأشدد هنا على أهمية توعية الطالب، لأن الطلاب في جامعاتنا هم الأكثر عرضة للسرقات الفكرية إن لم يجدوا من يدلهم على حقوقهم ويزودهم بمهارات تفادي الانتحال والسرقة ومتابعة حقوقهم قي الدراسات والبحث وحمايتها من السرقة. يؤدي أحيانا ضعف لغة الطالب في اللغة الإنجليزية، في الجامعات الأجنبية، إلى النسخ أو الاستشهاد دون أصول علمية، ما يؤدي إلى تعثر دراسته وقبول رسالته أو رفض بعض بحوث الطلاب في المجلات المعتبرة للنشر.
لا أتحدث هنا فقط عن انتحال أفكار الغير من قبل الطلاب، لكني أتحدث كذلك عن سرقة بعض أعضاء هيئة التدريس بمن فيهم الأساتذة وكبار الباحثين في الجامعات لإنتاج طلابهم والمتدربين لديهم، وقد يعود هذا لمعرفتهم التامة بجهل الطالب لهذا الأمر وانعدام المصادر التي تدعم الطالب وتقف إلى جانبه. قد يعود السبب أيضا لمعرفة المنتحلين بعدم وجود إجراءات يمكن للطالب اتباعها أو لائحة للأخلاق في البحث والتعليم، كما قد لا يجد الطالب من يناصره من هيئة التدريس أو ينصفه على حساب زميله في العمل الذي يشاركه بعض مصالحه.
من الإجراءات الجيدة التي اتخذتها عمادة شؤون الطلاب في جامعة الملك سعود إنشاء وحدة حماية الحقوق الطلابية التي تضمن الحيادية والموضوعية في طرحها وحلها لشكاوى الطلاب، بما يتضمن السرقات الفكرية عن طريق مراعاة عدد من النقاط المهمة واتخاذ العديد من الإجراءات الأساسية التي تضمن حق الطالب المتضرر. أعتقد أنه من الأمور التي قد تؤثر في إنجازات هذه اللجنة وما يشابهها من لجان في جامعات أخرى أن الطالب، وبما أنه لا يضمن حقه الكامل بعد الترافع بالشكوى، قد يمتنع عنها بسبب ما يعتريه من خوف من نتائج هذه الشكوى وردود أفعال المشتكى عليهم ومن يقف بجانبهم ممن هم أقوى سلطة على هذا الطالب. ربما يكون من مؤشرات محدودية عمل اللجنة أننا لم نسمع عن عقوبات شديدة ورادعة طالت أحد أعضاء هيئة التدريس أو الباحثين.
التمسك بالحقوق الفكرية للفرد والحفاظ على حقوق الآخرين عن طريق الإشارة إليهم أو إشراكهم في البحث من الأمور المهمة التي يجب الاهتمام بها عن طريق توضيحها وتقنينها بما يناسب ويرضي جميع أفراد المجتمع من مفكرين ومخترعين وطلاب لضمان الاقتصاد التعليمي للوطن وعودة العقول النيرة التي تحطمت أحلامها بسبب الجهل واستغلال الغير وانعدام اليد الحانية التي تدعمها في مسيرتها.