تكامل التنوع
تأملت في واقع بلادنا فألفيت أنها تشكل تنوعاً يصل حد التناقض بين هذه المكونات، فما بين صحراء شاسعة إلى جبال مرتفعة تظللها الأشجار والغابات، صحراء قاحلة كما في الدهناء والربع الخالي يندر نزول المطر فيها إلى مناطق مثل الطائف والباحة وأبها وبلاد فيفا تهطل عليها الأمطار وبغزارة. وبين هذه وتلك توجد أجواء حارة ومحرقة في فصل الصيف إلى برودة شديدة في فصل الشتاء. وعلى السواحل حيث الشواطئ تكون الرطوبة في الصيف ويكون الاعتدال في الشتاء كما في جدة وجازان. واحات زراعية تترامى هنا وهناك كما في الأحساء والقصيم، حيث يوجد فيها نشاط زراعي وصناعي مرتبط بالمنتجات الزراعية، الطائف حيث اعتدال الجو في الصيف والقرب من مكة المكرمة يمثل موقعاً فريداً، لذا لا غرابة أن يكون في السابق مركز الحكومة في الصيف. هذا عرض عام لجغرافية بلادنا لكن الله حبا هذه البلاد أشياء أخرى أهم، حيث الأماكن المقدسة، ومبعث الرسالة وقبلة المسلمين في كل يوم خمس مرات، وعلى مدار السنة حيث العمرة، والحج في موسمه، ولعل ما نشاهده هذه الأيام من توافد الحجيج أبرز مثال على الحركة، والنشاط التي تشمل كافة مناشط الحياة من مواصلات، ومطاعم، وأسواق ومحطات بنزين... إلخ.
تنوع فريد لكنه متكامل مع ما قد يلاحظ من تناقض في مكوناته الجغرافية، هذا التنوع في نظري يشكل عامل قوة يمكن توظيفها لمزيد من النماء والتطور الاقتصادي لو تم استثماره بالشكل الصحيح والتخطيط السليم. ولاية نيفادا الأمريكية صحراء قاحلة، لكن الأمريكان جعلوا من هذه الولاية مورداً اقتصادياً رغم حرمة النشاط الذي يمارس فيها، حيث أصبحت مركز نشاط القمار في العالم، وأصبحت جاذبة لكل من يمارس هذه اللعبة المحرمة في ديننا.
أنشطة جمة يمكن أن توجد في بلادنا لكننا في حاجة إلى أفكار إبداعية تجذب السياح للصحراء ورمالها الذهبية وكثبانها من خلال أنشطة رياضية، ومجموعات سياحية تؤخذ إلى مجاهل الصحراء لمعرفة أسرارها، والتمتع بشمسها وهوائها النقي في مواسم من السنة.
الأماكن المقدسة في مكة والمدينة غرس الله حبهما في قلوب المسلمين، لكن توفير إجراءات إدارية وتسهيلات مع توفير خدمات سكن ومواصلات مناسبة تزيد من إيرادات الوطن المرتبطة بالعمرة والزيارة والحج.
أما مواطن الخضرة والأجواء الباردة، فالكثير من الأسر في المملكة ودول الخليج، فإنهم يرغبون في قضاء فصل الصيف فيها لو تم الاهتمام بخدمات السكن والخدمات الأخرى التي يحتاج إليها السائح من مطاعم ونشاطات ترفيهية.
لقد جذبت بلادنا منذ القدم أفئدة الناس إليها حتى الرحالة أصبح سر صحرائها عاملاً جاذباً لهم بهدف اكتشافه ومعرفة أخلاق وقيم وعادات وتقاليد ساكنيها، لذا جاءوا من أوطانهم يترحلون على ظهور الدواب، ومشياً على الأقدام لمزيد من المعرفة، وهذا ما تضمنته كتبهم التي دونوها.
إن هذا التنوع الذي يصل حد التناقض ما هو إلا عامل قوة يمكن توظيفه ليشكل مصدراً، بل مصادر دعم لاقتصادنا الوطني.