أيتها المحاكم المتخصّصة.. مَن رآك؟
في لقاء وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء مع خريجي الدورات التدريبية في المعهد العالي للقضاء؛ تناول معاليه وضع المحاكم المختصّة ومنها التجارية والعمالية والأحوال الشخصية، وهي على وشك البدء بمزاولة اختصاصها القضائي لتخفف العبء عن المحاكم العامة من ناحية ولتحقق خطوة مهمة في مشروع تطوير القضاء السعودي، وهو المشروع الذي بدأ منذ ما يقارب أربع سنوات، ولا يزال يسير بطيئاً في محطات إنجازه التي لم يتحقق منها الكثير حتى اليوم.
إن تصريح الوزير حول بدء عمل المحاكم المتخصّصة بشرى طال انتظارها؛ فتنظيم القضاء الجديد تناولته وسائل الإعلام وعلّق عليه المتخصّصون، بل تم نشر كتب حول ملامح القضاء وهيكلته الجديدة، وأصبح المجتمع ينتظر أن يجني ثمار هذا التطوير الشامل، الذي سينعكس على أداء المحاكم وجودة العمل فيها وسرعة إنجاز القضايا والفصل في المنازعات بالدقة التي ترقى إلى مستوى طموح الدولة والمجتمع في قضائنا الوطني.
ولا يخفى على الجميع أن هناك أزمة كوادر بشرية مؤهلة للقيام بأعباء القضاء في المحاكم المتخصّصة ولا تزال هذه المعضلة غير قابلة للحل في فترة زمنية قريبة رغم تعدُّد كليات الشريعة والقانون ورغم كثرة الخريجين، بل وجود العدد المؤهل للعمل القضائي من الأشخاص، الذين مارسوا أعمالاً نظيرة في الجهات الحكومية من استشارات وتدريس وتدريب وغير ذلك، والأهم أولئك الذين مارسوا العمل القضائي في تلك اللجان والهيئات القضائية المتعدّدة وفي معظم الجهات الحكومية.
إن المطلوب من وزارة العدل ومن ورائها المجلس الأعلى للقضاء سرعة تنفيذ هذه الوعود، حيث تفقد تلك الوعود قيمتها مع تكرارها ومرور الزمن عليها فتصبح حديثاً للاستهلاك فقط ولا تتجاوز إلى ملامسة احتياج المجتمع للمحاكم المتخصّصة التي تعالج بسرعة ومهنية عالية نوعية القضايا المطروحة أمامها، ولقد كان من المُفترض وحسب الخطة الزمنية المحدّدة أن تنتهي كل تلك الهيكلة منذ عامين تقريباً، إلا أنها تجاوزت المدة النظامية، ودخلت في مهل مفتوحة، وليس من المتوقع أن يكون لها مدى قريب تنتمي إليه.
لقد أصبح تنوع القضايا من خصائص العصر ولا تزال المحاكم الإدارية في ديوان المظالم متخمة بالجزائي والتجاري من المنازعات، كما لا تزال المحاكم العامة متخمة أيضاً بتنوع القضايا أمامها، وهو تنوع واسع جداً يلقي بظلاله على أداء المحاكم، ويزيد من تذمُّر المدعين والمطالبين بحقوقهم أمام المحاكم، حيث يلعب الوقت دوراً جوهرياً في رضاء المجتمع عن أداء المحاكم في المرحلة الأولى للتقاضي ومرحلة الاستئناف التي هي أيضاً من الخطوات الضرورية في هيكلة المحاكم وهي بدورها لم تر النور حتى اليوم.
وإن من المؤمل أن يتحقق وعد وزير العدل في بدء عمل المحاكم المتخصّصة في المدن الرئيسة، ومنها المحاكم التجارية والعمالية والأحوال الشخصية، حيث ستتحقق قفزة كبيرة في أداء القضاء وجودة الأحكام مع عمق التخصُّص الفقهي في الأحكام والخبرة العملية في إنهاء القضايا صلحاً واختصار الطريق على المتخاصمين وتوفير العدالة السريعة والتي هي مطلب للجميع بعد أن تجاوز المتوسط الزمني للفصل في القضايا كل المدد المتوقعة، وفي أسوأ الظروف الإدارية رغم تحديث القوانين والإجراءات والمرافعات.