هو يملكها وهي لا تملكه

لم أكن أود العودة إلى موضوع حقوق المرأة في مجتمعنا، والمطلقات بصفة خاصة، لو لم أشعر أن هناك أمور كثيرة تتعلق بالموضوع تحتاج إلى لفت النظر من قِبَل أفراد المجتمع حتى نكون، كمجتمع مسلم، فعلاً منصفين بحق المرأة الأم والأخت والبنت والزوجة. ونحن نعلم أن هناك من بيننا من الذكور منْ لا يعجبه الحديث في مثل هذه المواضيع الإنسانية لأنه ببساطة متناهية لا يرى الأمور إلا من زاوية واحدة، وجُلَّ همه أن يحصل هو على حقوقه الزوجية والاجتماعية كاملة، بما فيها السيطرة التامة على أهل بيته. ونحن نقول، لك ذلك، ولكن لا تحرم الآخرين من حقوقهم. فنحن أمة قد أنهكتها التقاليد البالية وأصبح الوهم في مجتمعنا حقيقة.
وقد صرح منذ أيام الدكتور محمد العيسى وزير العدل لصحيفة ''الاقتصادية''، أن وزارته ستلاحق المماطلين في دفع نفقة المطلقات عبر مشروع صندوق النفقة. وهو شيء جميل ويعكس مدى اهتمام المسؤولين في وزارة العدل تجاه فئة مظلومة من بعض أفراد المجتمع ولا تملك القدرة على المطالبة بحقوقها، فجزاهم الله خيراً ونأمل منهم المزيد. وأغلب الظن أن تلك الحقوق الممنوحة للمطلقات التي يُشير إليها التصريح تنحصر في إعاشة الأولاد الذين تحت ولاية وحضانة الأم، وليس للأم نفسها. فكما ذكرنا في مقالات سابقة، المطلقة محرومة من أي نصيب من مال زوجها، الذي ربما تكون قد قضت معه عمراً طويلا، وهذا منتهى الظلم وإنكار الفضل ونسيان العِشرة التي جمعت بين الزوج والزوجة تحت سقف واحد سنوات طويلة. وقد شبهنا هذه الحالة بالخادمة التي تعمل دون راتب. وهذه مناسبة نود من خلالها عرض موضوع الزوجة المُطلقة التي تخرج من بيت زوجها صفر اليدين إلى الشارع، على وزارة العدل الموقرة لعل لديها من الحلول ما يخفف مُعاناة المطلقات بوجه عام، وعلى وجه الخصوص أمثال الحالة التي ذكرناها في المقال الأول، بتاريخ 22 تموز (يوليو) 2012.
وهناك مع الأسف قضايا وممارسات أخرى كثيرة في مجتمعنا، معظمها ضد مصلحة الزوجة، التي يكون في الغالب بطلها الزوج، وتحتاج إلى نظرة إنسانية خارج التقاليد والعادات التي ربما كانت مقبولة في الزمن الماضي عندما كانت الروابط الأسرية قوية، والقوي يحمل الضعيف. أما اليوم، وبعد انتشار التعليم وسمو مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع من الجنسين، فلا بُد من أن ينال كل ذي حق حقه. فعندما تريد الزوجة السفر يُطلب منها إحضار موافقة خطية من الزوج. فإذا كان هذا التصرف من حقه عليها، ولا اعتراض على ذلك، فلماذا لا يكون للزوجة أيضا الحق في شرط موافقتها على سفر الزوج إن هي أرادت ذلك؟ ولماذا يكون للزوج التصرف المطلق بمصير زوجته، يُطلقها متى ما أراد وفي أي مناسبة يختارها هو، حتى ولو كان ذلك نتيجة لحلف يمين بينه وبين طرف ثالث؟ أما هي، فمهما كانت الأسباب التي تدعوها لأن تطلب الانفصال عن زوجها لأسباب جوهرية ومنطقية فهي محل استفهام، بل ربما استنكار. والأنكى من ذلك، أن الزوج في حالة طلبها الطلاق، أو الخلع كما يُطلق عليه، يطالب المسكينة برد الصَّداق، بدلاً من أن يكون لها ولو قسط يسير من ثروته. ولا بأس من ذلك إذا كان الزواج لم يمض عليه إلا مدة زمنية قصيرة. أما إذا كانت الزوجة قد عاشت مع زوجها سنوات طويلة، وربما تكون قد أنجبت منه، فليس من العدل في شيء أن تُجبَر على رد الصداق. ثم أنه من المعروف أن الزوجة في الغالب تكون قد صرفت الصداق أو أكثره في لوازم حفل الزواج. والمجتمع كعادته، لا يحرك ساكناً، ويقولون إن المرأة عندنا مُكرَّمَة! أين العدل الذي يتحدثون عنه؟ هل الرجل فعلاً في حاجة إلى استرداد الصداق الذي كان قد قدمه لزوجته عند الخطوبة كمهر للعلاقات الزوجية؟ وهل يعني ذلك أن حياتها معه من بداية الزواج إلى نهايته ما لها ثمَن؟ وهل أصبحت المرأة في مجتمعنا المسلم سلعة تباع وتُشترى لحساب الرجل فقط، وهي لا تملك من أمرها شيئاً؟ ويطلع علينا منْ يدعي أننا نتحدث عن حالات نادرة، وهي تكاد تكون ممارسات يومية. وكتب آخر تعليقاً يدعو إلى عدم تمكين المرأة من تملك ثروة كبيرة لأنها لا تُُحسِن التصرف في المال الذي يزيد على حاجتها. ونحن لا نلوم مثل هذه العينات من البشر، لأن الملامة تقع على عاتق المجتمع الذي يعيشون داخل مظلته ويرضى بهذا المنطق وهذا السلوك غير الإنساني. ومع ذلك، فمجتمعنا لا يخلو ولله الحمد من الرجال ذوي الشهامة والمروءة. فقد ذكر أحدهم في مداخلة له على المقال، أنه بعد قراءة المقال ذهب إلى كاتب العدل ونقل ملكية بيته إلى اسم زوجته، بارك الله له فيها.
ونشاهد حالات من الظلم والتعسف يندى لها الجبين، تحت سمع وبصر منْ يُفترَض أن بأيديهم الحل. فإذا غضِب الزوج المُتسلط على زوجته المغلوبة على أمرها لأمر ما، كان بإمكانه أن يخرجها من البيت و''يُعلِّق حقوقها'' لسنوات طويلة حتى ''يحكم كيفه'' دون أن يستطيع أحد أن يثني هذا الإنسان عن مواصلة الظلم والتعسف الذكوري البشع. وكان من الواجب أن يوقف عند حده ويقابَل عقابَه بعقاب أكثر إيلاماً حتى يعود إلى رشده ويكون عبرة للآخرين. والإنسان إذا حُرِمَ من نعمة مخافة الله وانتُزِعَت الرحمة من جوفه، يتصرف حسب هواه ودون شعور بما يعانيه الآخرون، حمانا الله وإياكم من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا. وكل ذلك ناتج عن جهل مُطبق من قِبَل بعض الأزواج بحق الزوجة، وهو لا يدرك مقدار التضحية التي تكبدتها عندما اقترنت به. فالزوجة، وليس الزوج، تركت بيت أهلها وما يحويه من محبة لها وحنان وانفصلت عن أمها وأخواتها وصويحباتها والتحقت برفيق حياتها أينما كان مقر عمله وسكنه، مُضحِّية بكل ما تملك من أجله. وربما أن جذور عدم تقدير المرأة من قِبل البعض والاهتمام بشعورها وحالتها النفسية نتيجة التغيير الكبير في نمط حياتها، يعود إلى طريقتنا في تربية أبنائنا وتقصيرنا في نشر الوعي الإنساني لديهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي