عمار بوقس المبدع وأمثاله
ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا السعودية ينظر إليهم البعض في الغالب بنظرة تعاطف وشفقة أو بنظرة استنقاص, وهم في الحقيقة لا يحتاجون لكلا الأمرين, وبالذات ذوي الاحتياجات الخاصة الحركية, فهم طبيعيون ولا ينقصهم أي شيء أخر سوى توفير بيئة مكانية تساعدهم على التنقل في الأماكن العامة مثل الأسواق والجامعات والمرافق الحكومية , وكذلك إعطائهم الثقة والفرصة للاندراج في المجتمع والتعايش معه بشكل طبيعي,وبالذات لدى المسئولين أولا قبل المجتمع.
واقع توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة محزن لدينا في السعودية,فالقطاع الخاص يبحث عن طريقة لإيصال نسبة السعودة للحد المطلوبة منه,ومن هنا ينبع الدافع الأساسي للتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة,والسبب يعود إلى احتساب الموظف من ذوي الاحتياجات الخاصة بأربعة موظفين سليمين,وهذا بالتأكيد دافع قوي لتوظيفهم في القطاع الخاص,فالعملية تحتسب بطريقة تجارية بحته وليست إنسانية أو وطنية,فتوفير رواتب ثلاث موظفين أمر مهم في القطاع الخاص الذي يهدف للربحية أولا.
آما في القطاع الحكومي فالوضع لا يختلف كثيراً, فالثقة تكاد تكون معدومة لدى بعض المسئولين والقائمين على التوظيف ,فهم يعتبرون عمل ذوي الاحتياجات الخاصة أمر ليس ضرورياً, ولسان حالهم يقول الدولة تقدم لهم إعانة مادية فلما الوظيفة, وكذلك يعتقد أن المواطن السليم هو أحق بالوظيفة من هذه الفئة,واقدر على الإنتاجية والعمل , وهذا غير صحيح مطلقاً,فكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يعملون حسب إمكانياتهم,بل أن البعض منهم مبدعين في مجالات مختلفة, بالإضافة أن ذو الاحتياج الخاص لن يعيش طوال عمره على هذه الإعانة الحكومية البسيطة, فهو غداً سوف يتزوج ويكون مسئول عن تأمين احتياجات عائلة كاملة.
أتمنى من وزارة العمل أن تعيد حساباتها في معادلة احتساب ذو الاحتياج الخاصة في جانب نسبة السعودة في البرامج الحكومية التي تفرض على القطاع الخاص,فهذا الشرط يعتبر استنقاص في حقهم.
في القطاع الحكومي نحتاج للوثوق في إمكانيات وقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة , وبالذات عندما يكون لديهم موهبة حقيقة أو تفوق علمي في مجال معين أو يحمل شهادة علمية بامتياز,فهو بذلك يثبت للجميع أن ظروفه الصحية لم تكن عائق أمام تحصيله العلمي أو إبداعه,كما أن إعطاء الفرصة لهم تجعل القطاع الخاص يثق بقدراتهم وإمكانياتهم وسوف يستقطب الكفاءات منهم في المستقبل من أجل العمل الحقيقي وليس من أجل الخروج من النطاق الأحمر إلى النطاق الأخضر !!
ما دفعني لكتابة هذا المقال, هي قصة المبدع السعودي عمار بوقس, الذي ابهر الجميع بطموحه وأحلامه التي عجز الكثير عن تحقيقها وهم يملكون القدرة الجسدية الكاملة,فالمخرج الشاب المبدع بدر الحمود قدم عمار بوقس في فلم قصير, يصور حياة عمار من الولادة إلى وقته الراهن,بطريقة احترافية,جعلت المشاهدين ينجذبوا لشخصية عمار,فشكراً جزيلا لك أيها الرائع بدر الحمود على هذا الطرح الرائع والهادف.
عمار عمل صحافي ومحرر في صحيفة المدينة,واستطاع الحصول على شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى في مجال الإعلام من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ,بالإضافة لحفظه القران الكريم كاملاً,هذه الإنجازات عجز الكثير عن تحقيقها.
عمار بوقس واحد من الأمثلة الرائعة التي تعكس قدرات الإنسان ذو الاحتياج الخاص وانه يستطيع التغلب على الصعاب التي تقابله,لكن للأسف عمار لم يجد القبول لدى البعض,لكن وجد التقدير والاحتواء خارج حدود وطنه وواصل مسيرة انجازاته و تحقيق أحلامه في دولة الإمارات الشقيقة فشكرا لمن وثق في عمار من المسئولين في إمارة دبي.