التستر محفز لنمو الاقتصاد الخفي

أظهرت دراسة اقتصادية علمية متخصصة، نُشرت تفاصيلها في صحيفة ''الجزيرة'' في العدد 14524، أن حجم الاقتصاد الخفي في السعودية، يقدر بنحو 16.78 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لعام 2009 بالأسعار الجارية، والذي يعني أنه بحدود 236.5 مليار ريال، قياساً بالناتج المحلي لآخر سنة للدراسة المذكورة التي غطت فترة 40 عاماً من 1390 إلى 1430.
وعرفت الدراسة الاقتصاد الخفي، على أنه مجموعة من الممارسات لأنشطة اقتصادية غير معلنة، والتي يقوم بها أفراد أو جماعات على هيئة مؤسسات صغيرة الحجم، تقدم سلعاً وخدمات لديها قدرة تنافسية، لا تدخل في حسابات الدخل القومي أو الناتج المحلي، سواء كانت تلك الأنشطة مشروعة، كالمهن الحرفية، أو غير مشروعة، كتجارة المخدرات، والسلع المقلدة والمغشوشة.
وأشارت الدراسة إلى أن أبرز مكونات الاقتصاد الخفي في المملكة توالياً: الفساد المالي والإداري، والمخدرات، والتستر التجاري، والتهرب الضريبي، والتسول، وأن نصيب الأنشطة المشروعة من إجمالي قيمة الاقتصاد الخفي في المملكة، نحو 7.55 مليار ريال، في حين يبلغ نصيب الأنشطة غير المشروعة قرابة 228,9 مليار ريال.
وتكمن مشكلة التستر التجاري الذي يعد أحد أبرز مكونات الاقتصاد الخفي، في أنه يتسبب في حدوث سلبيات اقتصادية عديدة تطول مفاصل الاقتصاد الكلى والاقتصاد الجزئي لأي اقتصاد دولة على حد سواء، بما في ذلك حسابات الدخل القومي، وميزان المدفوعات، لكون أن ممارسي نشاط التستر التجاري، يلجأون إلى استخدام شتى أنواع السبل والطرق والأساليب للتحايل على أنظمة وقوانين الدولة، بعدم إظهار عائداتهم وأرباحهم المتحققة عن نشاط التستر التجاري، مما يتسبب في إظهار نتائج غير حقيقية وغير واقعية للدخل القومي للاقتصاد، إضافة إلى التستر التجاري، يؤثر سلباً في حسابات ميزان المدفوعات للدولة، نتيجة اعتماد هذا النوع من التجارة على العمالة غير النظامية والمتخلفة، التي تحاول أن تتبع طرقا غير نظامية وغير مشروعة لتحويل أموالها ومدخراتها الشخصية إلى بلدها الأصل، حيث أشارت الدراسة سالفة الذكر، أنه خلال الفترة من 1421هـ وحتى 1430هـ تزايد انتشار أعداد العمالة غير النظامية في المملكة بإجمالي متوسط بلغ نحو 1.2 مليون عامل سنوياً، والذين يشكلون نحو 27 في المائة من إجمالي العمالة الرسمية، والتي تقدر أجورها بنحو أربعة مليارات ريال في عام 1430هـ.
كما تكمن مشكلة التستر التجاري في انتشار ظاهرة المتاجرة بالتأشيرات، بهدف الحصول على العمالة الرخيصة وغير الماهرة، لاستخدامها في تسيير دفة شؤون هذا النوع من النشاط، بغية تحقيق أقصى العائدات والأرباح الممكنة، التي عادة ما تكون على حساب جودة السلع والخدمات التي تباع للمستهلك النهائي، نتيجة لعدم خلوها من السلع المقلدة والمغشوشة.
أخيراً وليس آخراً، يتسبب التستر التجاري، في حدوث اختلال كبير في سوق العمل، لانعدام فرص التوظيف المتكافئة بين العمالة الماهرة والعمالة الرخيصة، مما يتسبب في تفشى ظاهرة البطالة بين المواطنين.
الحكومة السعودية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه انتشار ظاهرة التستر التجاري في المملكة، واتخذت جميع التدابير الممكنة والمتاحة للحد من انتشارها والقضاء على مسبباتها من خلال سن العديد من القوانين وإصدار التشريعات والأنظمة الكفيلة بتحقيق ذلك الهدف.
من بين أهم تلك التدابير، التي اتخذتها الحكومة السعودية أخيراً للقضاء على ظاهرة التستر التجاري في المملكة، وتعزيز سعودة وتوطين الوظائف في القطاع الخاص والأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والمالية المختلفة، برنامج ''نطاقات'' الذي يهدف إلى تحفيز منشآت القطاع الخاص على توطين الوظائف كمعيار جديد للسعودة.
وتعتمد فكرة برنامج ''نطاقات'' الأساسية على تصنيف المنشآت إلى أربع درجات ''ممتاز/ أخضر/ أصفر/ أحمر'' حسب تفاوتها في مقدار توطينها للوظائف، حيث تكون المنشآت الأقل توطينا في الدرجتين الصفراء والحمراء، بينما تصنف المنشآت الأعلى توطينا في الدرجتين الممتازة والخضراء.
برنامج ''نطاقات'' والبرامج الأخرى المساندة لبرنامج ''نطاقات''، مثل البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن عمل ''حافز'' وغيرها من البرامج كبرنامج طاقات ولقاءات وتفعيل بند القرار 120 المتعلق بتأنيث بيع المستلزمات النسائية، وإلى غير ذلك من البرامج، مكنت الدولة من توظيف أكثر من 250 ألف مواطن ومواطنة بوظائف مختلفة في منشآت القطاع الخاص خلال الأشهر القليلة الماضية، مما يؤكد على جدية الدولة وإصرارها على مكافحة ظاهرة التستر التجاري والمضي قدماً باتجاه توطين وسعودة وظائف القطاع الخاص وفقاً لما يمكن تطبيقه وتنفيذه دون الإضرار باحتياجات القطاع الخاص من العمالة الوافدة لبعض المهن التي لا يتوافر فيها مواطنون سعوديون للعمل فيها.
خلاصة القول، إن تفشي ظاهرة التستر التجاري في أي اقتصاد دولة، تضر بمقدراتها ومكتسباتها الاقتصادية، كونه يتسبب في حدوث العديد من السلبيات، التي تطول مفاصل الاقتصاد الأساسية، الأمر الذي يتسبب في انتشار البطالة في الاقتصاد وعدم واقعية حسابات الدخل القومي وميزان المدفوعات.
الحكومة السعودية تنبهت لخطورة تفشى ظاهرة التستر التجاري في المملكة، واتخذت أخيراً العديد من التدابير الكفيلة بالقضاء على ظاهرة التستر التجاري، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر برنامج ''نطاقات'' وغيره من البرامج المساندة لتعزيز سعودة وتوطين وظائف القطاع الخاص، والتي تمكنت الدولة من خلالها من توظيف أكثر من 250 ألف مواطن ومواطنة بأعمال مختلفة في القطاع الخاص خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي يؤكد جدية وإصرار الدولة على القضاء على ظاهرة التستر التجاري، ولا سيما أن برامج التوظيف الجديدة استطاعت أن تستحدث وظائف جديدة في سوق العمل، وتقوم بإحلال وظائف قائمة، بأعداد كبيرة لم تتمكن الأنظمة والبرامج السابقة من إنجازها وتحقيقها في الماضي القريب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي