الشركات العربية متعددة الجنسيات!

في عام 1950 وافق مجلس جامعة الدول العربية بالإجماع على اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين جميع الدول العربية الأعضاء، ومنذ ذلك التاريخ دخل مشروع الوحدة الاقتصادية العربية في مجموعة من المراحل المهمة، لكنها – مع الأسف - ليست فاعلة، ولم تكن بالقدر الذي يجعل السوق العربية المشتركة حقيقة واقعة.
وإزاء ذلك كان الاقتصاديون العرب وما زالوا يتململون من القرارات السياسية التي تقف عقبة أمام تذليل المشاريع الاقتصادية العربية.
لكن في هذه الأيام نسمع عن قيام الشركات العربية متعددة الجنسيات، وهي شركات بشراكة عربية هدفها الانتشار في كل الدول العربية، مستغلة مجموعة من التسهيلات التي تقدمها الحكومات العربية لدعم التجارة البينية بين الدول العربية.
وواضح أن قيام شركات عربية متعددة الجنسيات هدفه في الأساس أن تتولى هذه الشركات عمليات اقتصادية وتجارية من دون عوائق سياسية تُجهضها. ولا شك أن مشاريع قيام شركات عربية متعددة الجنسيات.. هي مشاريع تأتي بعد النجاح الهائل الذي حققته الشركات متعددة الجنسيات في جميع الأسواق العالمية.
إن العالم العربي في حاجة إلى شركات تضطلع بدور الشركات الأم فتوفر فرص العمل وتوفر التكنولوجيا وتنشر ممارسة الإدارة الحديثة الفاعلة، وهو الشرط الذي تطلبه مؤسسة التمويل الدولية لتقديم التمويل لمشاريع القطاع الخاص في المنطقة العربية، ويشير مؤشر ارتفاع الاستثمارات العابرة للحدود بين الدول العربية إلى تدفقات بين الدول العربية قفزت من 1.8 مليار دولار في عام 2000 إلى 35.4 مليار دولار في عام 2008.
ورغم عجز العالم العربي حتى الآن عن إقامة شركات يمكن أن تدخل قائمة فورشن 500، فإن عدداً متزايداً من الشركات في العالم العربي، وبالذات في دول الخليج أصبحت من الضخامة بحيث يمكن أن نقول إنها شركات عربية متعددة الجنسيات وتستطيع القيام بالمهام الكبيرة.
إن بعض الشركات العربية متعددة الجنسيات تستعين بالشركات الغربية متعددة الجنسيات حتى تستطيع أن تلقى دوراً كبيراً في المنافسة في سوق تستوعب الأحجام الأكبر من العمل الاقتصادي الحر. ولا نُخفي أن ملكيات الشركات متعددة الجنسيات تخضع لسيطرة جنسيات معينة ويتولى إدارتها شخصيات من جنسيات متعددة وتمارس نشاطها في بلاد أجنبية متعددة، لكن مع هذا فإن استراتيجياتها وسياساتها وخطط عملها تصمم في مركزها الرئيس في الدولة الأم.
ومع إن الفعاليات السياسية الوطنية تنظر إلى الشركات متعددة الجنسيات على أنها غرفة عمليات الدول الكبرى في عقر دار الحكومات الوطنية، وهي بمنزلة ظل الاستعمار المتسلط على الحكومات الوطنية، إلاّ أن الشركات العربية متعددة الجنسيات تأتي بدعم حكومي ورغبة رومانسية من القطاع الخاص.
وتكفي الإشارة إلى أن الشركات متعددة الجنسيات ذات الإمكانات التمويلية الهائلة تلعب دور القائد في الثورة العلمية التكنولوجية، وبالتالي فهي تعمق الاتجاه نحو العالمية أو عولمة الاقتصاد.
وتطرح الإحصاءات المنشورة في مراكز الأبحاث العديد من المؤشرات التي تدل على تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات في تطور النشاط الاقتصادي الدولي، فقد بلغ إجمالي إيرادات هذه الشركات في عام 2005 نحو 13 تريليونا و374 مليار دولار، أمّا أصول هذه الشركات فقد بلغت نحو 52.2 تريليون دولار، وعدد العاملين فيها تجاوز المليوني عامل، وصافي أرباحها نحو 423.9 مليار دولار، وتستحوذ الشركات المتعددة الجنسيات على نحو 32 في المائة من حجم التجارة العالمية، ولقد تجاوزت الأصول السائلة من الذهب والاحتياطيات النقدية الدولية المتوافرة لدى الشركات متعددة الجنسيات نحو ضعفي الاحتياطي الدولي، وهذا المؤشر يدل على مقدار تأثير هذه الشركات في السياسة النقدية الدولية.
وتقول بعض الإحصاءات إن نحو 80 في المائة من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما يعكس ضخامة قدرتها الإنتاجية والتسويقية التي مكنتها من تغطية جزء كبير من حركة التجارة الدولية.
إن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن قيام شركات عربية متعددة الجنسيات مهم جداً لتنفيذ مجموعة كبيرة من المشاريع الاقتصادية الهادفة إلى دعم خريطة التجارة البينية، بل إن هذه الشركات ستساعد كثيراً على تحقيق الكثير من المشروعات الحلم التي كانت وما زالت تحلم بها الشعوب العربية، وبالذات قيام السوق العربية المشتركة.
إن السائد في أجواء الاقتصاد الدولي حالياً هو اتجاه الدول إلى جذب الاستثمار الأجنبى رغبة في الحصول على التكنولوجيا غير المتوافرة محلياً، وكذلك خلق فرص عمل لمواطنيها، إضافة إلى الحصول على تكنولوجيا الإدارة وتنظيم المشروعات، وهذا لا يتأتى إلاّ عن طريق قيام الشركات العربية متعددة الجنسية.
ونقر أنه في ظل الشركات متعددة الجنسيات، فإن الاقتصاد الدولي دخل فيما يمكن أن نسميه اقتصاد العولمة، وهو اقتصاد يتسم بتعميق عالمية الاقتصاد وزيادة دور المؤسسات الاقتصادية الدولية، ويتميز بالدور الأبرز للشركات متعددة الجنسيات، التي تعد من أهم ملامح ما نطلق عليه ''النظام الاقتصادي الدولي الجديد''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي