الأنظمة العقارية الجديدة.. نقلة نوعية
تأتي موافقة مجلس الوزراء على أنظمة التمويل العقاري وكذلك على نظام الرهن العقاري، خطوة في الاتجاه الصحيح للقضاء على الممارسات الخاطئة القائمة في سوق العقار في المملكة، والتي تسببت في حدوث اختلالات واضحة بين الطلب والعرض على الوحدات العقارية بشكل عام وعلى الوحدات السكنية بشكل خاص.
إن اللافت للنظر في الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة الخمسة، أنها جاءت متجانسة مع بعضها بعضا لتشكل منظومة متكاملة من التشريعات والأنظمة والقوانين التي ستحقق لسوق العقار في المملكة نقلة نوعية غير مسبوقة، كونها ستعمل على القضاء على التشوهات القائمة في السوق، والتي ظل يعانيها السوق لفترة طويلة من الوقت، بسبب غياب التشريعات والقوانين والأنظمة التي تعمل على تنظيم عمل السوق، وتحافظ في نفس الوقت على حقوق والتزامات المتعاملين في السوق. من هذا المنطلق وبغية إيجاد آليات متكاملة مُنظمة للنشاط العقاري في المملكة، أصدر مجلس الوزراء موافقته على منظومة تشريعية وتنظيمية اشتملت على خمسة أنظمة رئيسية، وهي: 1- نظام الرهن العقاري، الذي سيكفل تحقيق الضمانات اللازمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار أو المنقول وذلك من خلال وضع ضوابط تحمي الدائن والمدين والضامن في العملية الائتمانية، وأيضاً تحقق المرونة المنضبطة اللازمة للاستفادة القصوى من الأصول العقارية أو المنقولة التي لملكيتها سجل منتظم في إيجاد السيولة النقدية. 2- نظام مراقبة شركات التمويل، الذي سيعمل على وضع الضوابط اللازم توافرها لتأسيس شركات التمويل والترخيص لها ولما تقدمه من منتجات، وكذلك وضع الضوابط اللازم الالتزام بها أثناء ممارسة الشركات لأنشطتها التمويلية المختلفة. 3- نظام التمويل العقاري، والذي يسعى إلى إيجاد سوق للتمويل العقاري من خلال تأسيس شركات مساهمة متخصصة في تقديم التمويل العقاري بالتعاون من مطورين عقاريين مع إمكان إعادة التمويل وذلك بهدف توفير بدائل تمويلية مختلفة. 4- نظام الإيجار التمويلي، والذي يهدف إلى تنظيم العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر، وبالذات فيما يتعلق بالأصول محل الإيجار والمنافع المرتبطة بها. 5- نظام قضاء التنفيذ، والذي يعنى بمباشرة قضايا المنازعات العقارية من خلال دائرة متخصصة في المحاكم العامة في المدن والمحافظات الرئيسة، والتي ستقوم بتنفيذ ما يصدر إليها من قرارات وأوامر من اللجان ذات الاختصاص.
ويأتي أيضاً قرار مجلس الوزراء بإسناد مسؤولية الإشراف على قطاع التمويل العقاري وقطاع شركات التمويل غير المصرفي إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، في الاتجاه الصحيح، نتيجة ما تمتلكه المؤسسة منذ إنشائها في عام 1952 لرصيد وافر ووافٍ جداً من الخبرات المصرفية المتراكمة، وبالذات في مجال الإشراف على المصارف التجارية العاملة في المملكة، التي من بين أحد أعمالها وأنشطتها الرئيسة التمويل بأفرعه وأنواعه المختلفة، ما سيمكنها من تسخير تلك الخبرة في تنظيم قطاع التمويل العقاري في المملكة، وأيضاً تنظيم قطاع التمويل غير المصرفي، الذي يأتي مكملا للقطاع المصرفي وداعما للتنافسية في سوق الائتمان. كما أن إسناد مسؤولية إعداد اللوائح التنفيذية لتنظيم هذين القطاعين لمؤسسة النقد، من خلال الصلاحيات المسندة لها بموجب هذه الأنظمة، سيمكنها من وضع الرؤية التفصيلية المناسبة لآليات عمل التمويل العقاري في المملكة بالشكل الذي يكفل المحافظة على حقوق الأطراف أصحاب العلاقة، ويؤدي في نفس الوقت إلى خفض كلفة التمويل على المستهلك. كما أن إسناد مسؤولية مراقبة شركات التمويل، سيمكن المؤسسة من إنشاء قطاع للتمويل غير المصرفي يحقق الأهداف المرجوة من نظام مراقبة شركات التمويل، والتي تأتي على رأسها وفي مقدمتها تكوين قطاع جديد تنافسي لتقديم الائتمان أخذاً في الاعتبار مبادئ الشفافية والانضباط وحماية المستهلكين.
خلاصة القول، أن موافقة مجلس الوزراء على الأنظمة الخمسة المرتبطة بالتمويل والرهن العقاري، جاءت في ظروف مواتية للغاية، وبالذات أن سوق العقار في المملكة يشهد نمواً مذهلاً وطلباً متنامياً ومطرداً على الوحدات العقارية بشكل عام، وعلى الوحدات السكنية بشكل خاص، ما تطلب إيجاد أنظمة عقارية متكاملة تعمل على تنظيم عمل النشاط العقاري في المملكة، وبالذات فيما يتعلق بجانب التمويل العقاري، الذي ظل يعاني لفترة طويلة من الوقت عدم وضوح الرؤية بسبب غياب التشريعات والتنظيمات اللازمة لضبط آلية عمل السوق.
إن إسناد مسؤولية تنظيم نشاط التمويل العقاري لمؤسسة النقد العربي السعودي، سيسهم بفاعلية في تحقيق الأهداف المنشودة من وراء تلك الأنظمة، نظراً لما تمتلكه المؤسسة من خبرة طويلة في مجال تنظيم آليات عمل التمويل المصرفي في المصارف التجارية العاملة في المملكة، ما سيتيح إيجاد خدمات تمويلية عقارية متطورة في السوق المحلية تعمل على معالجة نقاط وجوانب الضعف القائمة حالياً بالسوق، والتي لعل من بين أبرزها غياب الأحكام المنظمة لحقوق المستأجر والمؤجر.
أخيراً وليس آخراً، إن إسناد مسؤولية مراقبة شركات التمويل غير المصرفي لمؤسسة النقد، سيعمل على تحقيق الأهداف المرجوة من نظام مراقبة شركات التمويل، وبالذات فيما يتعلق بتقديم خدمات الائتمان للمستهلكين تحت مظلة وبيئة ائتمانية منضبطة تحقق الشفافية والانضباط وحماية الأطراف أصحاب العلاقة.
ويتوقع لهذه الأنظمة مجتمعة أن تحقق تنمية عقارية شاملة ومستدامة في المملكة تعمل على تلبية الاحتياجات العقارية المختلفة لفئات ورغبات متباينة لأفراد المجتمع، بما في متوسطي ومحدودي الدخل.