العناد والتشبث بالرأي في ريو

اجتمع عشرات الآلاف من البشر في ريو دي جانيرو لحضور قمة الأرض التي نظمتها الأمم المتحدة، حيث عمل المشاركون، بدءاً من الساسة الضجرين إلى الدعاة المتحمسين، على إعادة إشعال الاهتمام العالمي بالبيئة. ولكن من المؤسف أن هذه القمة من المرجح أن تكون بمثابة فرصة ضائعة.
وتستعرض الأمم المتحدة الوعد المغري بالاقتصاد الأخضر، فتركز على معالجة ظاهرة الانحباس الحراري العالمي. والواقع أن القمة تصوب نحو الهدف الخاطئ، فتتجاهل المخاوف البيئية الأكبر لدى الغالبية العظمى من الناس في مختلف أنحاء العالم.
وبالتركيز على التدابير اللازمة لمنع الانحباس الحراري العالمي، فإن الدول المتقدمة قد تساعد على منع عدد كبير من الوفيات. وقد يبدو هذا أمراً طيباً إلى أن تدرك أن هذا يعني أن 210 أضعاف هذا العدد من الناس في الدول الأكثر فقراً قد يموتون بلا ضرورة نتيجة لهذا، لأن الموارد التي كانت تساعد على إنقاذهم أنفقت على طواحين هواء، وألواح شمسية، ووقود حيوي، وغير ذلك من البنود التي أصابت العالم الثري بالهوس.
ولكن مشكلات التلوث الملموسة في الدول الفقيرة لا تتفق مع أحدث الصيحات بطبيعة الحال، وهي لا تجتذب الناشطين المفوهين ووسائل الإعلام والحكومات كما قد تجتذبهم قضية الانحباس الحراري العالمي.
والمشكلة هي أن الطاقة الخضراء لا تزال في أغلبها أكثر تكلفة وأقل كفاءة وأكثر تقطعاً من البدائل. ورغم هذا فإن ما تقدمه لنا القمة من أدبيات تزعم أن الطاقة الخضراء كفيلة بتعزيز النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر، ولكن بجدية، لماذا يتصور أهل العالم الأول من حسني النوايا أن دول العالم الثالث ينبغي لها أن تحصل على تكنولوجيات الطاقة الأكثر تكلفة وضعفا، وأقل كفاءة من تلك التي تستعين بها بالفعل؟
توزع هذه النشرة تحت عنوان ''المستقبل الذي نريده''، ولكن في عالم حيث يبيت مليار إنسان ليلهم جوعى، وحيث يموت ستة ملايين إنسان كل عام بسبب تلوث الهواء والمياه، فمن المرجح أن يفكر أغلب أهل العالم النامي في مجموعة مختلفة تماماً من الأولويات لمستقبلهم.
وتزعم النشرة بابتهاج بأن تحول الصين ''إلى استراتيجية نمو منخفضة الكربون وتقوم على تطوير وتنمية مصادر الطاقة المتجددة كان سبباً في خلق فرص العمل والدخل والإيرادات''. بيد أن الحقيقة هي أن الصين ضاعفت الانبعاثات الصادرة عنها من غاز ثاني أكسيد الكربون على مدى الأعوام الـ25 الماضية إلى أربعة أمثالها. ورغم أن الصين تنتج نحو نصف كل الألواح الشمسية على مستوى العالم، إلا أنها تصدر 98 في المائة منها بهدف جني إعانات الدعم السخية من أسواق العالم الثري، بل إن 0,005 في المائة فقط من الطاقة في الصين تأتي من الألواح الشمسية. ولقد نجحت عقود طويلة من التوسع الاقتصادي في الصين في انتشال 600 مليون شخص من براثن الفقر، ولكن التلوث الهائل الناجم عن هذا لا يتفق مع السرد الأخضر الذي يقدمه مؤتمر ''ريو+20''.
يذكر المنشور أيضاً أن فرنسا نجحت في خلق 90 ألف فرصة عمل في مجال الطاقة الخضراء، ولكن الحقيقة الصارخة تظل مخفية، وهي أن متوسط تكاليف كل فرصة عمل خضراء أكثر من 200 ألف دولار سنويا، ومن الواضح أن دافعي الضرائب الفرنسيين لا يستطيعون أن يتحملوا هذا العبء. وتشير النماذج الاقتصادية إلى أن فرنسا فقدت العدد نفسه من فرص العمل أو أكثر بسبب التكاليف الإضافية المتمثلة في إعانات الدعم.
في عالم يعاني مشكلات خطيرة ناجمة عن تلوث الهواء والمياه، يصبح هذا التركيز العجيب على موضوعات عصرية وحلول غير واقعية أمراً مربكاً ومزعجاً للغاية. فسوف يطير أهل النخبة العالمية المنفصلة عن الواقع إلى ريو لكي يقولوا لفقراء العالم: ''عليكم بالألواح الشمسية''.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي