استراتيجياً .. هل خسر «الإخوان»؟

لو نجح شفيق في كسب الرئاسة المصرية لكانت أروع حملة انتخابية للإخوان لمدة أربع سنوات، أما وقد خسر، فيبدو أن العكس سيصدق. بكل تأكيد سيبادر مرسي إلى فعل المستحيلات للنجاح، لكن التركة ثقيلة جدا. 90 مليون مصري، من بينهم 25 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، وفقاً لإحصائيات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر في 1 شباط (فبراير) 2012. شبكة فساد حكومي تجذرت لعقود في مختلف الأجهزة الحكومية حتى أصبحت هي الأصل وليست عمولات مسؤولين كبارا، بل تمتد من النقابات إلى الضرائب إلى الأراضي السياحية والزراعية، إلى اختلاس أسطوانات الغاز والخبز المدعوم وانهيار صخور وغرق سفن، إلى القمح المسرطن وتهريب الرز إلى الخارج وتهريب السلع إلى الداخل. علاقات دولية غامضة الملامح لا تعرف لها وجهة. استثمارات أجنبية متناقصة وأخرى محلية هاربة. ولن يصبح المسؤولون صغارا أو كبارا نزيهين في يوم وليلة. تعليم وصحة وإسكان وسياحة وطرق وبنية تحتية موجوعة، ومداخيل حكومية شحيحة ومتآكلة.
ماذا سيفعل مرسي؟ بكل تأكيد سيبادر بوضع برامج وأولويات لمعالجة التصدُّع الذي تعيشه أجهزة الدولة. سيجاهد ليلاً ونهاراً مع فريق عمل هَمّه إثبات أنهم متى ما مُنحوا الفرصة سينجحون. لكن النجاح في عُمر الدول لا يُقاس بالأيام ولا السنين، هو مرحلة مخاض طويلة، وقد تنجح وقد تخيب. أربع سنوات لن تمنح مرسي ميزة التجربة وإعادة المحاولة، وهي فرصة لو سنحت ستكون مفيدة للمستجدين في عالم إدارة الدول. دون حروب أو أزمات كارثية تُلجئ الشعب إلى الاصطفاف خلفه وتناسي أي مشكلات أخرى - كما حدث للرئيس الأمريكي جورج بوش مثلا - سيكون الاختبار قاسياً.. فهو أمام النجاح أو الخروج. بعد أربع سنوات، أو أقل، سيتفحص منافسوه برامجه الواحد تلو الآخر. أشك أنهم سيجدون نجاحاً لافتاً، باستثناء ملفات أمن الدولة والسجون السرية التي لا يعرفها إلا الناشطون السياسيون - الموجعة للإخوان تحديداً - التي أظنها ستكون الملف رقم واحد. بقية الملفات الأكثر أهمية - والأبرز للعين المجرّدة - لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح بإبهار في إعادة تشكيلها إلا بعصا سحرية. علاوة على كل هذا، الفلول أو المنافسون أو الحاسدون أو الأعداء أو العسكر أو المنتفعون أو الحرس القدامى، سيشكلون عقبات متوالية.
صحيح، سيكون هناك جهد. لكن متى سيثمر تغيُّر المناهج التعليمية والمهنية؟ متى ستنضج بذرة جذب الاستثمار الأجنبي وإعادة الثقة للاقتصاد؟ متى ستتغيّر ثقافة الموظف الحكومي؟ رقمياً أتحدث. كم سيبلغ حجم الإنتاج المحلي؟ بلد منهك قبل الثورة، في أيادٍ طرية وإن كانت نظيفة، إن بقي الرقم كما هو فذلك إنجاز رقمي، لكن المواطنين لا يأبهون إلا لما هو أمام أعينهم وما تحسه بطونهم وتشعر به أجسادهم - ثقافة جسدية متأصلة في كل بني آدم.
لو كسب شفيق الانتخابات سيستميت لإثبات عكس ما يُقال عنه، وسيشن جهداً محموماً لإثبات صلاحيته لقيادة مصر. سيستهدف ما يعتقد أنه نقاط قوة الإخوان - التركيز على الفساد مثلاً - لتجريدهم من أقوى أسلحتهم الانتخابية. سيجرّب أشياءً جديدة، قد تنجح وقد يفشل بعضُها. سيكون معمل تجارب للإخوان. ومهما فعل، فالتركة ثقيلة جداً. وسيجري عليه ما سيجري على مرسي اليوم، باستثناء أن العسكر قد يعضدونه. مهما أنجز شفيق لن يكفي، فالوقت قصير جداً والتركة عسيرة، وتهمة التبعية للنظام القديم جاهزة.
والأهم، خلال سنوات شفيق الأربع سيكون الإخوان في قلب الحدث لحظة بلحظة محلياً ودولياً يستفيدون من حسنات شفيق، ويتجنبون هفواته. يغازلون أعداءه ويغمزون لحلفائه. مرحلة إعداد وتأهب فعلي - وليس كما كانوا في السابق متفرجين عن بُعد. كما أن مرارة الخسارة وتعلُّم الدروس سيمكّنان ''الإخوان'' من حشد القوى واستثارة الأغلبية الصامتة التي لم تصوت بالأمس، بل تغيير قناعات مَن صوَّت لشفيق لكسب الجولة القادمة، بل جرف كل منافس. ثم يتسلموا الحقل قبل قطافه، سهل عليهم ادّعاء أبوة أي نجاح، والتبرؤ من أي فشل. سهل عليهم رمي اللائمة على سنوات شفيق - استمرار حكم مبارك. يقيمون علاقات ويشيدون مصالح ويتفادون مخاطر بروية، وعلى نار هادئة. ليسوا في عجلة لكسب ود هذا أو استعداء ذاك. باختصار كانوا سيكسبون كل ما سيفعله شفيق ويجيرونه لرصيدهم الانتخابي، بعد أن يمارسوا العمل السياسي فترة زمنية مناسبة للتعرُّف على دهاليز وخبايا عالم إدارة الدولة.
إدارة الدولة ليست إدارة نادٍ رياضي تستقطب له لاعباً محترفاً وتجنس ثانياً فتأخذ الكأس، بل هي أن تعمل وفق الممكن الموجود أمام ناظريك. تدريب اللاعبين وصقل مهاراتهم وانتقاء أفضلهم وتغيير سلوكياتهم والتعامل مع الفرق الأخرى والحكام والظروف البيئية شيءٌ، وثقتك بقدراتك شيءٌ آخر، قد لا يغيّر في المعادلة الكثير .. وأتمنى أن أكون مخطئاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي