بيئة العمل .. حافز بعد «حافز»

بالأمس القريب، كان لقاء المهندس عادل فقيه وزير العمل مع أعضاء مجلس الشورى، الذي استعرض فيه الإنجازات التي حققتها الوزارة من خلال تطبيقها برنامجي ''نطاقات'' و''حافز''.
ومما لا شك فيه أن تطبيق برنامج نطاقات أسهم بشكل كبير في دفع كثير من منشآت القطاع الخاص إلى سعودة كثير من وظائفها - كما ذكر الوزير خلال اللقاء، بأرقام تجاوزت ربع مليون موظف، وهو ما يعد من الإنجازات التي تحسب لوزارته. هذا الإنجاز الذي تحقق من خلال برنامج نطاقات، صاحبه استثمار كبير يصل إلى أكثر من 12 مليار ريال سنوياً من قبل الدولة في برنامج حافز، الذي أسهم بدوره في تحجيم مشكلة البطالة في المملكة، وهو الأساس الذي من خلاله يعمل برنامج نطاقات وغيره من مبادرات الوزارة الأخرى على حل هذه المشكلة. وهذا ما تطرق إليه الوزير في اللقاء حين أشار إلى أن الوزارة ستعمل، من خلال النسخة الثانية والمطورة من برنامج ''نطاقات'' التي سيعلن عنها قريباً على استهداف التوطين النوعي، حيث ستهتم بمعايير توطين إضافية مثل معدلات الأجور ومستويات التعليم.
وبنظرة متفائلة في الأرقام الأولية، نجد أن ''نطاقات'' و''حافز'' ساهما وسيساهمان - بإذن الله - على حل مشكلة البطالة على المدى القريب في الوظائف الدنيا في السلم الوظيفي للمنشآت في المملكة، على الرغم من الصعوبات التي قد تواجه هذا التحدي الذي تخوضه الوزارة، في ظل ضعف التأهيل لكثير من المسجلين حالياً ضمن برنامج حافز. هذا التحدي ظل مرتبطاً في كثير من الأحيان بإحلال الكوادر الوطنية في وظائف موجودة حالياً أو في وظائف لا يشكل استحداثها عبئاً مالياً كبيراً على كثير من منشآت الأعمال في ظل تدني الأجور المخصصة لها. غير أن التحدي الأكبر الذي قد يظهر في الأفق يتعلق بسعودة الوظائف المتوسطة والعليا في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي من جهة لا تستطيع أن تستحدث مثل هذه الوظائف على النحو الذي يفي بمستوى العرض في سوق العمل اليوم، في ظل وجود مخرجات من 23 جامعة، إضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ومن جهة أخرى، لا تثق بعض هذه المنشآت بقدرة الموظف السعودي على العطاء بالمردود نفسه المقدم من قبل الموظف غير السعودي.
هذا التحدي الأكبر كان عنصر اهتمام كثير من الدول حول العالم، وذلك لحقيقة أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشكل عصب اقتصادها وتصل نسبتها إلى أكثر من 97 في المائة من إجمالي منشآت الأعمال في كثير منها. المملكة المتحدة من الدول التي أبدت كثيرا من الاهتمام بهذا الجانب من خلال عديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى رفع قدرة هذه المنشآت على بناء الأنظمة المؤسسية وبناء القدرات التي تساعد على استمراريتها على صعيد مختلف المجالات، وذلك في ظل ارتفاع حدة المنافسة العالمية لمنتجاتها وخدماتها. ومن ضمن هذه المجالات كان الاهتمام ببيئة العمل من خلال برنامج ''المستثمرون في البشر'' الذي أطلقته الحكومة البريطانية بهدف مساندة بناء القدرات اللازمة لتطوير بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص من خلال تحديد مجموعة من المعايير المتعلقة بتطوير قدرات إدارة الموارد البشرية فيها، ومن ثم بناء الآليات التي تسهم في تقييم هذه المنشآت وفقاً لهذه المعايير وتصنيفها وفقاً لذلك. العائد على تطبيق مثل هذا البرنامج لا تصب في حل مشكلة البطالة بشكل مباشر ولكنها تسهم بشكل غير مباشر في رفع قدرة هذه المنشآت على رفع مستوى إنتاجيتها وأدائها وبناء بيئة عمل مثالية فيها تسهم في استبقاء موظفيها وهم على مستوى عال من الرضا عن العمل فيها، إضافة إلى تحسين قدراتها على النمو الإيجابي، ومن ثم توفير مزيد من الوظائف لسوق العمل، وهو ما يسهم في المديين المتوسط والطويل في التقليل من مشاكل البطالة، وعلى الأخص في أوساط المواطنين من ذوي التأهيل العالي.
الشيء الذي يدعو للتفاؤل حقاً، هو ما ذكره وزير العمل في اللقاء من أن المرحلة القادمة ستشهد تركيز الوزارة على الارتقاء بالتوطين من المستوى الكمي للوظائف إلى المستوى النوعي؛ بما في ذلك تحسين الأجور وبيئة العمل، وهو بما لا يدعو للشك يصب في السياق ذاته، الذي نأمل أن يسهم في رفع قدرة منشآت الأعمال في المملكة على اختلافها على توليد فرص العمل الملائمة لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
المنشآت المدرجة على قائمة ''الاقتصادية'' لأفضل بيئة عمل سعودية في هذه الدورة وفي الدورات السابقة، كان لها قدم السبق في هذا المجال في المملكة، وقد قطف كثير من هذه المنشآت ثمار هذا التوجه متمثلاً في عديد من الإنجازات التي حققتها على جميع الأصعدة المالية منها وغير المالية، فهنيئاً لها وهنيئاً للوطن هذه المنشآت التي جسدت الوطنية الحقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي