حتى لا يتوه المواطنون!
المرض النفسي أصبح سمة من سمات العصر الحديث. حتى إن 30 في المائة من أي مجتمع يمكن أن يعانوا أمراضا أو أعراضا نفسية كالوساوس أو اضطراب النوم أو الكآبة أو الحزن، ومرض الاكتئاب مثلاً يعد السادس في الترتيب من حيث الانتشار بين الأمراض المعروفة، ومَن مِنَّا لا يمرُّ بهذه الأعراض النفسية؟! فنحن نعيش في عصر مليء بالضغوط نتيجة الظروف الاجتماعية. والحروب التي أصبحت تمتد على اتساع العالم وتقلبات الظروف الاقتصادية التي لا تخلو منها دولة من الدول، مما ينعكس كل ذلك على الفرد إضافة إلى التفكك الأسري. وعدم الشعور بالأمن، والخوف من المستقبل، وازدياد الجريمة وضعف الوازع الديني. تفاصيل كلها تؤدي إلى الاضطراب النفسي، لكن ذلك لا يعني نهاية العالم. المسألة هي الوعي بالحالة النفسية للمريض، ولذلك ظهر الطب النفسي في العالم حتى إن أعداد الأطباء النفسيين في العالم في حالة ازدياد مستمر، والمريض النفسي الواعي عندما يشعر أنه ليس في حالته العادية يتجه إلى الطبيب النفسي ليجد عنده المخرج من حالته النفسية المضطربة، ثم يعود لممارسة حياته بشكل عادي، هذه أصبحت ثقافة سائدة في العالم المتقدم. يمارسها الناس بشكل يومي دون الشعور بالنقص أو الدونية، فهو يعرف أن هذه حالة عادية. المشكلة هي في نسبة كبيرة من المجتمع السعودي الذي لا تسود فيه هذه الثقافة والذي يلجأ إلى المشعوذين بدعوى إصابتهم بعين حاسد أو أنه مسحور، مع أنه في الحقيقة مصاب بمرض نفسي علاجه عند الطبيب النفسي، لكنه يستنكر أن يقال عنه إنه مرض نفسي. فهو يعتبر هذا المرض عيبا، وأنه يقف في طريقه. فهو يخشى أن يتجنبه المجتمع، وأنه إذا تقدم للزواج فإن أسرة الفتاة سترفضه، وأنه لن يستطيع الحصول على وظيفة وكل هذه أوهام، وهي جانب من مرضه النفسي، ومع أنه لا يوجد من يخلو من هذا العرض أو المرض إلا أنه لا يوجد الاهتمام الكافي في هذا القطاع في المملكة، حتى إن الدكتور محمد شاوس استشاري الطب النفسي ونائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي يصرح لجريدة "الحياة" بأن الطب النفسي يعاني أخطاء في الفهم والتطبيق، وأن وعي المجتمع السعودي بالنسبة للأمراض النفسية ما زال مترديا ويدخل تحت مفهوم العيب.
وأيضا يتفق الدكتور نواف الحارثي استشاري الطب النفسي على تأخرنا في المملكة في مجال الطب النفسي عن العالم المتقدم، وذلك بسبب عدم وجود ثقافة المرض النفسي عند أفراد المجتمع، حتى إنه لا يقبل على التعامل مع الطبيب النفسي سوى شريحة المثقفين الذين يدركون طبيعة المرض. وهنا يجب أن أشير إلى أهمية انتشار هذه الثقافة بين أفراد المجتمع، وهذا دور وزارة الصحة وعلماء الدين الذين يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية في هذا الصدد. وأن يقوم الإعلام بدوره في توعية المواطنين حتى لا يتوهوا بين المشعوذين.