أبعدوا التطرُّف عن معرض الكتاب

يدي على قلبي ونحن على أبواب معرض الرياض الدولي للكتاب، فهذه المناسبات الثقافية فرصة لا تتكرر لأن نتواصل مع ثقافات الدول الأخرى، لا للدخول في جدل عقيم، واحتساب متشدد، يكون الخاسر فيه أولاً وأخيراً الوطن ولا أحد سواه.
فها هم بعض رجال الدين استبقوا انطلاق المعرض، وأصدروا فتوى تحرّم الذهاب إليه وشراء الكتب ''الهدامة'' منه، فيما دعا آخرون إلى مقاطعته، وحتى الآن لا ضرر في هذه الفتاوى، ولا فيمن يلتزم بها، فهذه ضمن حرية الرأي التي على المجتمع بأسره أن يتسع صدره لها، والخشية ليست من هذه الفتاوى المقاطعة، بل من أخرى محرّضة نخشى أن تفعل فعلتها، كما حدث في معرض الكتاب العام الماضي، أو كما شهده مهرجان الجنادرية قبل أيام من احتساب تسبّب في احتقان كبير، قبل أن تنتهي الفعالية بنجاح، لولا تلك التصرفات التي أضرّت بأصحابها، وبالتآلف بين أطياف المجتمع ذاته، في حكاية تتكرر سنويا.. مع الأسف.
في معرض يزوره نحو ثلاثة ملايين زائر، لا يضيره اتخاذ ألف أو ألفين أو حتى عشرة آلاف من الناس قراراً بمقاطعته، فهذا - كما ذكرنا - حق مشروع لا تجب مصادرته، على ألا تتصاعد تلك المقاطعة للسعي إلى إيقاف فعاليات المعرض بالقوة، بالتحريض تارة وبالاحتساب تارة أخرى، فهنا نكون قد خرجنا من دائرة حرية الرأي، إلى مصادرة رأي الأغلبية، لمصلحة أقلية تريد أن يكون موقفها هو المهيمن، ولا يهم إن قامت بذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، أو بالاقتحام المخالف للقانون وتحويل الفعاليات الثقافية إلى فوضى وشغب.
لم تشهد الأمة الإسلامية ازدهارا وقوة كما شهدته عندما انفتحت على ثقافات العالم، وأسهمت في وصول علومها وثقافتها إلى الأمم الأخرى، واستقبلت هي ثقافة وعلوم تلك الأمم، وربما، نقول ربما، كان ممكناً في وقت سابق استخدام سلاح المقاطعة ومنع الكتب للحد من قراءتها، أما مع الانفتاح الإلكتروني فلم يعد ذلك مجدياً، فالكتب الممنوعة تجد ازدهاراً عبر قنوات الإنترنت المتعددة، ناهيك عن خدمات توصيل الكتب عبر البريد، التي تحضر لك أي كتاب تشتهيه خلال أيام لا غير، بلا مقاطعة ولا هم يحزنون.
الأهم من هذا كله، أن معرض الرياض للكتاب لا يتضمن أي كتب تمس الثوابت الدينية ولا الوحدة الوطنية في هذه البلاد، وهناك إدارة للرقابة في المعرض جهزت نماذج للزائرين خاصة بالشكوى ضد أي كتاب، وإذا وجد أن هناك ملاحظات صادقة على أي كتاب، يتم سحبه، فلماذا نصر على تطبيق مفهوم الفوضى بينما لدينا من الآليات ما يمكن تحقيق اعتراضنا بشكل حضاري ومنطقي.. ومقنع.
هناك ثوابت لا يقبل المجتمع مسها بأي حال من الأحوال، وفي المقابل من حق المجتمع أيضاً أن يحترمه باقي الأطياف، وألا يفرض أي تيار رؤيته بالقوة حيناً، وبقلب المفاهيم أحياناً أخرى!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي