القطيف وخطباء التزييف

بعيداً عن بيان وزارة الداخلية بشأن ''خطبة القطيف المزيفة''، والذي كان لافتاً فيه وصف ما يحدث هناك بـ ''الإرهاب الجديد''، وهو فعلا الوصف الحقيقي لما يجري هناك، لاعتبار مَن يقومون بذلك مغررا بهم، فإن الخطورة الكبرى في هذه الخطب، وبالمناسبة هي ليست واحدة، ليست في تبريرها المستمر لـ ''الإرهاب الجديد''، ولا في تلاعبها بالألفاظ لمسك العصا من الوسط، ولا حتى في مقارنتها لما يحدث بدول عربية أخرى، الخطر الأكبر هو تزييف الحقائق وتصوير القضية بشكل مغاير عمّا هي عليه، والتأكيد على أن رجال الأمن يطلقون النار على المتظاهرين، هذه هي الرسالة التي يريدونها أن تصل للخارج قبل الداخل، ولنا أن نعرف حجم الفِرية في تكوين هذه الذهنية لدى المواطنين وغيرهم. نعم، حدثت مواجهات بين رجال الأمن وأولئك الإرهابيين، نعم، قُتِلَ منهم مَن قُتل بعد رفعهم السلاح على الدولة، ولكن الحقيقة التي حاول أولئك الخطباء تزييفها، أنه لم تطلق رصاصة واحدة تجاه مَن خرجوا في مظاهراتهم، فهذه المظاهرات تتعاطى معها الدولة وفق آلية محددة معروفة مسبقا، فالدولة تمنع التظاهر، غير أنها لا تتعامل بالحديد والنار معها، كما يصور لنا الخطباء، فلماذا يصر هؤلاء المشايخ في القطيف على ربط المظاهرات بإطلاق النار الذي يحدث في ظرف وزمان مختلفين كليا؟ ولعلي أرى بعضا ممن اختلط عليهم الحال، وهو هدف أولئك الخطباء ونجحوا فيه جزئيا، بينما الحقيقة أن الحالتين منفصلتان تماما: مظاهرات غير نظامية خرجت وتم التعامل معها وفق النظام، وإرهابيون يطلقون النار على نقاط أمنية، وتم الرد عليهم في حينه. ولا توجد دولة في العالم يرفع السلاح عليها وتبقى تتفرج عليهم، وهنا هي ستخل بواجباتها وستُلام من مواطنيها لو فعلت ذلك، فهل هذا ما يريده خطباء التزييف؟ تزييف الحقائق يؤثر في الرأي العام، متى ما تُرِكَ له الحبل على الغارب دون تفنيد، ويعطي صورة غير واقعية عن أداء رجال الأمن لمهامهم، وهو ما يؤثر في أداء عمل رجال الأمن في كل مكان، وإذا ما تواصل تزييف الصورة الذهنية لدى المواطنين في شتى بقاع المملكة، فأنَّى لهم أن يثقوا برجل الأمن وقدرته على حمايتهم، وهو الذي يظهر لهم بأنه يطلق النار عشوائيا على مواطنين، كل جريرتهم أنهم خرجوا في مظاهرة على حد زعمهم! نقول لمَن برعوا في التزييف: مهلاً مهلاً.. فالقطيف جزء منا ولا نقبل بسعيكم لفصلها، ذهنيا، عن أرجاء باقي السعودية، ومحاولاتكم مكشوفة لتبديل الحقائق وكأن القطيف ''قطيفان''، واحدة لكم وأخرى للوطن. لن تنجحوا أبداً في هذا، فنحن والقطيف بأهلها الشرفاء وقراها وكل قطعة منها لحمتنا واحدة، وطريقنا واحد، ومصابنا نفسه، فلا تلعبوا بالنار طويلاً وتمارسوا فعلا تندمون عليه طويلا.. إذا كنتم تعرفون الندم أصلاً!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي