الدول الناشئة تتسلم قاطرة الاقتصاد العالمي
توجد تعريفات مختلفة للدول الصاعدة أو الناشئة، ولكن بوجه عام تسمى الدول التي في مرحلة تطور سريعة وتسجل معدلات نمو صناعي واقتصادي مرتفع في الدول الصاعدة. وتختلف المؤسسات الدولية المعرفة للدول الصاعدة في قوائم الدول المضمونة بهذا المصطلح. ويضع معظم معرفي الدول الصاعدة الصين والهند ضمن قائمة الدول الصاعدة، بينما لا يعتبر صندوق النقد الدولي هاتين الدولتين ضمن الدول الصاعدة، ويميل الصندوق إلى وضع الدول الصاعدة والنامية في مجموعة واحدة. ومع أن المملكة تسجل معدلات نمو جيدة إلا أن كل معرفي هذا المصطلح ما عدا الإيكونوميست Economist لا يضعونها ضمن قائمة الدول الصاعدة. وقد تسبب انخفاض معدلات نمو القطاع النفطي الحقيقي خلال العقود الثلاثة الماضية وتشكيله جزءا كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي في خفض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، بينما سجل الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي نمواً قوياً خلال العقود الثلاثة الماضية يضاهي معدلات نمو عدد كبير من الدول الصاعدة.
وقد حققت الدول الصاعدة والنامية معدلات نمو جيدة خلال العقد الأول من هذا القرن. وساهم هذا النمو في رفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وكان للدول الصاعدة في آسيا والتي تشمل الصين والهند دور مهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، كما ساهم النمو الاقتصادي المعتدل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء في انتشال الاقتصاد العالمي من الركود الاقتصادي الكبير الذي حدث بعد الأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2008. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في مجموعة الدول الصاعدة والنامية بشكل عام إلا أن بعض الدول الصاعدة في شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابقة وأمريكا اللاتينية عانت تراجع النمو الاقتصادي في عام 2009. وكانت الولايات المتحدة توصف في السابق بأنها قاطرة الاقتصاد العالمي، ولكن اقتصاد الدول الصاعدة أو الناشئة والمتطورة في آسيا وإلى حدٍ أقل في الشرق الأوسط وإفريقيا بدأ يحتل جزءا متزايداً من قاطرة الاقتصاد العالمي. هذا وقد ارتفعت مساهمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الصاعدة والنامية من نحو 20 في المائة من الاقتصاد العالمي في عام 1995 إلى نحو 28 في المائة من الناتج المحلي العالمي في عام 2010. وفي الوقت نفسه تصاعدت مساهمة النمو الاقتصادي للدول الصاعدة والنامية في النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات القليلة الماضية. وساهم نمو الدول الصاعدة والنامية الاقتصادي بنحو خمس النمو الاقتصادي العالمي في عام 1999، ولكن هذه المساهمة ارتفعت بحدة منذ بداية القرن الحالي. وتجاوزت مساهمة نمو الاقتصادات النامية والصاعدة 40 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي في عام 2002. وشكل النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة والنامية أكثر من 100 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي إبان الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، وهذا يعني أن النمو الاقتصادي في هذه المجموعة كان مسؤولا عن كامل النمو الاقتصادي العالمي في هذين العامين، كما ألغى تأثير التراجع في نمو الدول المتقدمة على معدل نمو الاقتصاد العالمي.
وتمكنت مجموعة الدول الصاعدة والنامية من تحقيق معدلات نمو جيدة في عام 2010، حيث وصل معدل النمو في هذه المجموعة إلى نحو 6 في المائة، بينما بلغ في الدول المتقدمة أقل من 3 في المائة. وكان للصين والهند والدول الآسيوية الأخرى نصيب الأسد من نمو مجموعة الدول الصاعدة والنامية. ومن المتوقع أن تسجل الدول الصاعدة والنامية معدلات نمو مقاربة لنسبة 6 في المائة خلال السنوات القادمة، بينما ستنخفض معدلات النمو الاقتصادي في مجموع الدول المتقدمة إلى أقل من 2 في المائة خلال الفترة نفسها، وبهذا ستتصاعد حصة الدول النامية والصاعدة في الاقتصاد العالمي. وإذا ما استمرت معدلات النمو الحالية على منوالها الحالي، فإن حجم اقتصادات الدول الصاعدة والنامية ومجموعة الدول الصناعية الجديدة الممثلة بكوريا وتايوان وسنغافورة وهونج كونج سيتجاوز حجم الاقتصادات المتقدمة خلال 15 عاماً. ومن المتوقع أن يصاحب التغير في الأحجام الاقتصادية المنتظرة للمجموعات الاقتصادية العالمية تحول في الثقل والنفوذ الاقتصادي والسياسي، وقد يشمل القوى العسكرية. وسينتقل الثقل الاقتصادي العالمي من جانبي الأطلنطي إلى جانبي المحيط الهادي مع تركز أكثر في الجانب الآسيوي. وسيؤدي ذلك إلى تغيير في أهمية القضايا الدولية، حيث ستنال القضايا الشرق آسيوية اهتماما أكبر، وبهذا ستتراجع الأهمية الاستراتيجية لبعض دول العالم وسترتفع أهمية الدول الواقعة ضمن الثقل الاقتصادي. وسيتحدد دور الدول العربية ودول الخليج بالذات بحسب درجة النمو الاقتصادي الذي ستحرزه خلال السنوات القادمة، وكذلك بدرجة اعتماد دول العالم على النفط كمصدر للطاقة وقدرة دول المنطقة على تصدير المنتجات النفطية لدول العالم.
وعلى الرغم من كل النمو والتقدم الذي حققته الدول الصاعدة الكبيرة وعدد من الدول النامية إلا أنها تواجه تحديات كبيرة ومتعددة. ومن أبرز هذه التحديات اعتماد هذه الدول، خصوصاً في آسيا على التصدير (إلى الدول المتقدمة) كمحرك للنمو الاقتصادي. وقد أدى تراجع النمو في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية إلى تراجع نمو الطلب على الصادرات مما خفض معدلات النمو الاقتصادي. كما تواجه الدول الصاعدة ضغوطاً متزايدة لرفع معدلات صرف عملاتها للحد من دعم معدلات الصرف المنخفضة للصادرات، وسيذعن العديد من الدول الصاعدة لضغوط الدول المتقدمة ولو جزئياً مما سيقود إلى تراجع في معدلات نمو الصادرات. وستجبر التحديات الخارجية العديد من هذه الدول على ضرورة تغيير استراتيجيات النمو والاعتماد بشكل متزايد على تنشيط الطلب الداخلي بدلاً من الصادرات لتحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتواجه الدول الصاعدة والنامية أيضاً ضغوطاً داخلية لرفع مستويات معيشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة. فعلى الرغم من النجاحات الكبيرة وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة والنامية، إلا أن كثيراً من هذه الدول، خصوصاً الدول الكبيرة نسبياً كالصين والهند تعاني اختلالات كبيرة في توزيع الثروة والدخل. وتغيب شبكات الحماية الاجتماعية في كثير من الدول النامية والصاعدة وإن وجدت فهي محدودة التأثير ولا توفر أماناً للطبقات الفقيرة والعاطلة عن العمل. ويضاف إلى هذا أن نسبة كبيرة من سكان هذه البلدان لم تر أو تلمس أي منافع من النمو الكبير في الناتج المحلي، بل يشعر الكثير من الفقراء بأن أوضاعهم الاقتصادية النسبية ازدادت سوءاً بسبب النمو الاقتصادي الكبير الذي زاد من انتشار الفساد ورفع معدلات التضخم وفاقم معضلات السكن والتلوث وتردي مستويات الأجور وتهدد هذه الأوضاع المدفوعة بجشع القلة المتحكمة في السلطة والثروة، السلام الاجتماعي في كثير من الدول الصاعدة والنامية مما يرفع مخاطر تفجر الأوضاع الداخلية في عدد من الدول، وقد حدث هذا بالفعل في بعض الدول العربية. إن النمو القوي في اقتصادات الدول الصاعدة والنامية يخفي كما غير قليل من التحديات التي ينبغي البدء في تبني استراتيجيات التغلب عليها في الوقت الحالي قبل أن يؤدي استفحالها إلى إعاقة أمن واستقرار هذه الدول والحد من نموها الاقتصادي المستقبلي.