الفوز بلعبة الثقة الأوروبية
إذا كان لأي من الحلول التي قد تُطرَح على مدى الأيام القليلة المقبلة للأزمة الأوروبية أن تعيد الثقة إلى أسواق السندات السيادية، فلا بد أن تكون قابلة للتطبيق اقتصادياً ومستساغة سياسياً في نظر جهات الإنقاذ والدول المطلوب إنقاذها على حد سواء. وهذا يعني تركيز الانتباه ليس فقط على التفاصيل الفنية للخطة، بل أيضاً على المظاهر.
الآن، هناك إجماع متزايد حول العناصر الرئيسة لأي حل، فأولاً سيكون لزاماً على كل من إيطاليا وإسبانيا أن تأتيا بخطط قصيرة الأجل تتمتع بالمصداقية ولا تقتصر على الاهتمام باستعادة الصحة المالية فحسب، بل أيضاً تحسين قدرة الدولة على النمو للخروج من الورطة. ورغم أن أي خطة ستنطوي على آلام يتحملها المواطنون، فإن الأسواق لا بد أن ترى أن هذه الآلام مقبولة سياسيا، على الأقل مقارنة بالبدائل.
وثانيا، يتعين على بعض الجهات الوسيطة - صندوق النقد الدولي أو مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، حيث يتم تمويل كل من الكيانين مباشرة من قِبَل الدول الأعضاء أو البنك المركزي الأوروبي - أن تكون على أهبة الاستعداد لتمويل القروض المقدمة لإيطاليا وإسبانيا وأي دولة أخرى متعثرة محتملة على مدى العام المقبل والعام الذي يليه. لكن هناك نقطة مهمة كانت موضع تجاهل إلى حد كبير في المناقشات العامة: فإذا كان هذا التمويل سابقاً للديون الخاصة في الأولوية (وهي حال التمويل من قِبَل صندوق النقد الدولي عادة)، فسيكون من الصعب بالنسبة لهذه البلدان أن تستعيد قدرتها على الوصول إلى الأسواق. وعلى أية حال، فكلما أفرطت أي دولة في الاقتراض للأجل القريب من مصادر رسمية، تسببت بذلك في دفع الدائنين من القطاع الخاص إلى مؤخرة الصف.
قد يبدو هذا غير منصف، فلماذا يتعين على دافع الضرائب أن يتقبل الخسارة في حين يتم إنقاذ القطاع الخاص من خلال توفير تمويل جديد؟ في العالم المثالي، تتخلف الدول المتعثرة عن سداد ديونها بمجرد توقف الأسواق الخاصة عن تمويلها، وستفرض هذه الدول الخسائر على حاملي السندات في القطاع الخاص. لكن في العالم الحقيقي، إذا رأت الأسواق أن إيطاليا أو إسبانيا عاجزة عن سداد ديونها، أو أنها أضخم من أن تُترَك للإفلاس، فلا بد في هذه الحال من تصميم التمويل بحيث يمنح هذه الدول أفضل فرصة ممكنة لاستعادة ثقة السوق.
وهذا لا يعني أن التمويل الرسمي لا بد أن يكون متأخراً في الأولوية عن الديون الخاصة في أي عملية لإعادة الهيكلة، لأن هذا سيتطلب توافر قدر أعظم من القدرة على تحمل الخسائر من جانب القطاع الرسمي - وهي القدرة التي قد لا تكون متاحة في الأرجح.
والحل الأكثر بساطة لهذه المعضلة يتلخص في التعامل مع التمويل الرسمي بشكل لا يختلف عن الديون الخاصة - ومن الممكن أن يتحقق هذا على أفضل نحو إذا اشترى المقرضون الرسميون السندات السيادية بمجرد إصدارها (وربما بعائد محدد سلفا) ووافقوا على معاملتهم على قدم المساواة مع الدائنين من القطاع الخاص في عملية إعادة الهيكلة. ومع استعادة الدولة ثقة الأسواق، فسيصبح من الممكن خفض التمويل الرسمي.
خلاصة القول أن التمويل الرسمي لا بد أن يكون مصحوباً بالقدرة على تحمل الخسارة. وإذا تم توجيه التمويل عبر صندوق النقد الدولي، وتم التعامل معه على قدم المساواة مع الدين الخاص، فإن التمويل سيحتاج إلى ضمان من جانب مرفق الاستقرار المالي الأوروبي أو دول منطقة اليورو القوية التي سيتم تعويضها في أي عملية لإعادة الهيكلة.
بمجرد تحديد أول عنصرين من الخطة، فمن المؤكد أن الاحتياج إلى العنصر الثالث سيتضاءل - شراء البنك المركزي الأوروبي السندات في السوق الثانوية من أجل تضييق الفوارق بين أسعار الفائدة وتوفير المزيد من الثقة.
لكن هناك عنصر آخر مطلوب لطمأنة الأسواق إلى أن الحل قابل للتطبيق سياسيا، ذلك أن المواطنين في مختلف أنحاء أوروبا، سواء في الدول الخاضعة للإنقاذ أو الدول المنقِذة، سيدفعون لسنوات ثمن تنظيف الفوضى التي لم يتسببوا في إحداثها.
لذا فإن العنصر الأخير في هذه الحزمة لا بد أن يأتي في هيئة تعهد خاضع للمراقبة من قِبَل بنوك منطقة اليورو بأنها لن تفرغ السندات مع تقدم القطاع الرسمي لتولي الأمر؛ وأنها ستزيد من رأسمالها مع الوقت بدلاً من الاستمرار في تقليص الديون (وإذا أضر هذا بحاملي أسهم البنوك، فيتعين عليهم أن يفكروا في الأمر باعتباره جزءاً من تقاسم الأعباء)؛ وأنها ستتوخى الحرص فيما يتصل بتحديد مكافآت المصرفيين إلى أن يعود الاقتصاد إلى النمو بقوة من جديد. وعندما تعلو الصرخات بأن هذه ليست الرأسمالية فلا بد أن يأتي الرد قوياً وصارما: ''وعمليات الإنقاذ أيضاً ليست من الرأسمالية في شيء!''.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.